ويعْلمُون مَعَ ذَلِك أَنَّ الله أَمر بِطَاعَتِهِ
وَطَاعَة رَسُوله وَنهى عَن مَعْصِيَته ومعصية رَسُوله، وَأَنه لاَ يحبُّ الفسَاد،
وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفْر، وَأَن على الخلق أَن يعْبدُوه فيطِيعوا أمرَه،
ويستعِينوا بِهِ على ذَلِك، كَمَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ
نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5].
****
و««النَّصارى» كَفَّرهُم اللهُ بأنْ
قَالُوا: بِالحُلولِ وَالاتِّحاد بِالمَسيح خَاصَّة»، النَّصَارى أَخفُّ كُفرًا
مِن الحُلولِيَّة؛ لأَنَّ الحُلولِيةَ يَعتقِدُون أَنَّ اللهَ حَالٌّ فِي كُلِّ
شَيءٍ حَتى المَراحِيض وَدوْرَات المِياهِ وَالحشُوشِ، تَعالَى اللهُ عَن ذَلكَ.
أمَّا
النَّصَارى فَإنَّما زعَمُوا أنَّ اللهَ اتَّحَد بِالمَسيحِ عِيسى ابْن مَريَم
عليه السلام، وَلم يُعمِّمُوا اتِّحادَه فِي كُلِّ المخْلُوقاتِ، أو حُلولِه فِي
كُلِّ المَخلوقَات، فَهمْ أخَفُّ كفْرًا مِن الحلُولِيَّة والاتِّحَاديَّة، مَع
أنَّ كُفر النَّصَارى هُو أشْنَع الكُفْر كَما قَال تَعَالى: ﴿لَّقَدۡ كَفَرَ
ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ
مِنَ ٱللَّهِ شَيًۡٔا إِنۡ أَرَادَ أَن يُهۡلِكَ ٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ
وَأُمَّهُۥ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗاۗ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ
وَمَا بَيۡنَهُمَاۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [المائدة: 17].
قَولُه: «وَيَعلَمُون»، أَي: يَعلَم أَهلُ الإِيمَان، «مَعَ ذَلِك» أَي: مَع اعْتِقَادِهم أَنَّ اللهَ جل وعلا لَيس حالًّا
فِي خَلقه وَلا مُتَّحدًا فِيهم، «أَنَّ
اللهَ أمَر بِطاعَتهِ وَطاعَةِ رَسولِهِ وَنَهى عَن مَعصِيَته وَمعصِيَة رَسُولهِ»،
فَهم يَعلَمُون أنَّ اللهَ أَمر وَنَهى، وَأنزَل الشَّرِيعَة علَى الرُّسلِ،
بخِلاَف الحُّلولِيَّة وَالاتِّحادِيَّة الذينَ يسْقِطُون الشَّرِيعةَ عَن
الخَواصِّ، وَيجعلُونَها لِلعوَامِّ.