وأصل ضلالهم أَن هَذَا الْقَائِل الَّذِي قَالَ:
«إِنَّ الْمحبَّة نَارٌ تَحْرِقُ مَا سِوَى مُرَادِ المحبوب»، قَصَدَ بِمُرَادِ
اللهِ تَعَالَى الإِْرَادَةَ الدِّينيَّة الشَّرعيَّة الَّتي هي بِمَعْنَى محبَّته
وَرِضَاهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: تَحْرِقُ مِنَ القَلْبِ ما سوى المحبوب لله،
وَهَذَا معنىً صَحِيحٌ.
فَإِنَّ مِنْ
تَمامِ الْحبِّ أَن لا يُحِبَّ إِلاَّ مَا يُحِبُّهُ الله، فَإِذا أَحْبَبْتَ مَا
لاَ يُحِبُّ، كَانَتِ الْمحبَّةُ نَاقِصَةً، وَأمَّا قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ فَهُوَ
يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ وَيَسْخَطُهُ وَينْهَى عَنهُ؛ فَإِن لم أُوَافِقْهُ فِي
بُغْضِهِ وَكَرَاهَتِهِ وَسَخَطِهِ، لم أَكُنْ محبًّا لَهُ، بَلْ مُحِبًّا لما
يُبْغِضُهُ.
فاتِّباع
الشَّرِيعَة، وَالْقِيَامُ بِالْجِهَادِ، مِنْ أَعْظَمِ الفُرُوقِ بَينَ أَهْلِ
محبَّةِ الله وأوليائه الَّذين يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، وَبَيْنَ مَنْ
يَدَّعِي مَحَبَّةَ الله، نَاظِرًا إِلَى عُمُومِ رُبُوبِيَّتِهِ، أَوْ مُتَّبِعًا
لبَعْضِ الْبدَعِ الْمُخَالِفَة لشريعته،
****
ومنهم
من يُحَبُّ مِنْ جِهَةٍ، ويُبْغَضُ مِنْ جِهَةٍ؛ وهو المسلم العَاصِي، والفَاسِقُ
من المؤمنين؛ تحبُّه لما فيه من الإيمان، وَتُبْغِضُهُ لما عِنْدَهُ من المعاصي
والسَّيِّئات.
أمَّا
من يقول: أنا أحبُّ الله. ومع هذا يُحِبُّ ما يُبْغِضُ الله، وَمَنْ يُبْغِضُهُ
الله، فهو كذَّاب.
إن كان القَصْدُ أَنَّ المَحَبَّةَ تَحْرِقُ ما لم يُرِدْهُ الإنسان، فلا مَحْذُورَ في هذا القَوْلِ. وأمَّا المَحَبَّةُ الَّتي هي من صفات الله، فهي خاصَّة به - سُبْحَانَهُ - ولا تُشْبِهُ مَحَبَّةَ المخلوقين.
الصفحة 2 / 397