فَبيَّن صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْحِرْصَ على
المَالِ والشَّرَفِ فِي إِفْسَادِ الدَّينِ لاَ يَنْقُصُ عَن إِفْسَادِ
الذِّئْبَيْنِ الجَائِعَيْنِ لِزَرِيبَةِ الْغَنَمِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ؛ فَإِنَّ
الدِّينَ السَّلِيمَ لاَ يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْحِرْصُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ
إِذَا ذَاقَ حَلاوَةَ عُبُودِيَّتِهِ لله وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ
أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُقَدِّمَهُ عَلَيْهِ،
****
قوله: «وَذَلِكَ بَيِّنٌ»: كُلٌّ يَعْرِفُهُ؛ أَيْ: كُلٌّ يَعْرِفُهُ
إِفْسَادُ الذِّئْبَيْنِ الجائعين للغَنَمِ المَحْصُورَةِ في الزَّرِيبَةِ، لكن قد
يَغِيبُ عَنْهُم أَضْرَارُ الحِرْصِ على المال والشَّرَف بالدِّين.
قوله:
«فَإِنَّ الدِّينَ السَّلِيمَ لاَ يَكُونُ
فِيهِ هَذَا الْحِرْصُ»: وإنَّما يكون فيه حِرْصٌ مُعْتَدِلٌ؛ فقد قال النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم: «احْرِصْ عَلَى مَا
يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِالله وَلاَ تَعْجِزْ» ([1])؛
فالحِرْصُ المعتدل مَطْلُوبٌ، وإنَّمَا الحرص الجائر هو المَنْهِيُّ عنه، كما قيل:
لاْ تَحْرَصَنَّ فَالحِرْصُ لَيْسَ بِزَائِدٍ **** فِي
الرِّزْقِ بَلْ يُشْقِي الحَرِيصَ وَيُتْعِبُ
وَالمُؤْمِنُ
يَحْرِصُ على دِينِهِ أَكْثَرَ مِنْ حِرْصِهِ على مَالِهِ؛ فلا يقدَّم على دِينِهِ
شيء.
«وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ إذَا ذَاقَ حَلاَوَةَ عُبُودِيَّتِهِ لله وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُقَدِّمَهُ عَلَيْهِ»: وذلك أنَّ الإيمان الثَّابِتَ في القلب إذا وَجَدَ المُسْلِمُ حَلاوَتَهُ، فَإِنَّهُ لا يُقَدِّمُ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لا مالاً، ولا شَرَفًا، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِْيمَانِ،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2664).
الصفحة 2 / 397