إِذْ لَيْسَ عِنْدَ الْقلْبِ لا أَحْلَى وَلاَ
أَلَذُّ وَلاَ أَطْيَبُ وَلاَ أَلْيَنُ وَلاَ أَنْعَمُ مِنْ حَلاوَةِ الإِْيمَانِ
المتضمِّن عبوديَّته لله، ومحبَّته لَهُ، وإخلاصه الدّين لَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي
انْجِذَابَ الْقَلْبِ إِلَى الله، فَيَصِير الْقلْبُ مُنِيبًا إِلَى الله، خَائفًا
مِنْهُ، رَاغِبًا، رَاهِبًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَّنۡ
خَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ﴾ [ق: 33]؛ إِذِ
الْمُحِبُّ يَخَافُ مِنْ زَوَالِ مَطْلُوبِهِ، وحُصُولِ مَرْغُوبِهِ، فَلاَ
يَكُونُ عَبْدًا لله ومحبًّا، إِلاَّ بَيْنَ خَوْفٍ وَرَجَاءٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ
ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ
أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ
رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا﴾ [الإسراء: 57].
****
والشُّبُهَاتُ،
أمَّا إذا بَلَغَ هذه المرتبة، فإنَّه لا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ من الشَّهَوَاتِ
والشُّبُهَاتِ، وَيَكُونُ ثَابِتًا ثَبَاتَ الجِبَالِ الرَّوَاسِي.
قوله: «إذْ لَيْسَ عِنْدَ الْقَلْبِ لاَ أَحْلَى وَلاَ أَلَذَّ وَلاَ أَطْيَبَ
وَلاَ أَلْيَنَ وَلاَ أَنْعَمَ مِنْ حَلاَوَةِ الإِْيمَانِ»: فَهُوَ يَنْسَى
كُلَّ حَلاوَةٍ في الدُّنْيَا عِنْدَ حَلاوَةِ الإيمان.
قوله:
«وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْجِذَابَ الْقَلْبِ
إلَى الله فَيَصِيرُ الْقَلْبُ مُنِيبًا إلَى الله خَائِفًا مِنْهُ رَاغِبًا
رَاهِبًا»: هذا هو القَلْبُ المُنِيبُ؛ قال تعالى: ﴿مَّنۡ خَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ وَجَآءَ
بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ﴾ [ق: 33]،
أي: رَاجِعٌ عَائِدٌ إلى الله سبحانه وتعالى مُعْرِضٌ عمَّا سِوَاهُ.
قوله
تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ
ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ
أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ
رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا﴾
[الإسراء: 57] المراد بذلك عِيسَى وأمُّه وَعُزَيْرٌ الَّذين اتَّخَذَتْهُمُ
اليَهُودُ والنَّصَارَى أَرْبَابًا من دُونِ
الصفحة 2 / 397