وَبَيْنَ
الْخَالِقِ تَعَالَى وَالْمَخْلُوقِ مِنْ الْفُرُوقِ مَا لاَ يَخْفَى عَلَى مَنْ
لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ.
مِنْهَا:
أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى غَنِيٌّ بِنَفْسِهِ عَمَّا سِوَاهُ وَيَمْتَنِعُ أَنْ
يَكُونَ مُفْتَقِرًا إلَى غَيْرِهِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ. وَالْمُلُوكُ
وَسَادَةُ الْعَبِيدِ مُحْتَاجُونَ إلَى غَيْرِهِمْ حَاجَةً ضَرُورِيَّةً.
ومِنْهَا:
أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الأَْعْمَالَ الصَّالِحَةَ
وَيَرْضَى وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِينَ فَهُوَ الَّذِي يَخْلُقُ ذَلِكَ
وَيُيَسِّرُهُ فَلَمْ يَحْصُلْ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ إلاَّ بِقُدْرَتِهِ
وَمَشِيئَتِهِ.
وَهَذَا
ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ
بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُنْعِمُ عَلَى عِبَادِهِ بِالإِْيمَانِ بِخِلاَفِ
الْقَدَرِيَّةِ. وَالْمَخْلُوقُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَا يُحِبُّهُ بِفِعْلِ
غَيْرِهِ.
وَمِنْهَا:
أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا
يُفْسِدُهُمْ كَمَا قَالَ قتادة: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْعِبَادَ بِمَا
أَمَرَهُمْ بِهِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِمْ وَلاَ يَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ
بُخْلاً عَلَيْهِمْ بَلْ أَمَرَهُمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا
يَضُرُّهُمْ. بِخِلاَفِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِمَا يَحْتَاجُ
إلَيْهِ وَيَنْهَاهُ عَمَّا يَنْهَاهُ بُخْلاً عَلَيْهِ.
وَهَذَا
أَيْضًا ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ
يُثْبِتُونَ حِكْمَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ
الْعِبَادَ إلاَّ بِخَيْرِ يَنْفَعُهُمْ وَلَمْ يَنْهَهُمْ إلاَّ عَنْ شَرٍّ
يَضُرُّهُمْ؛ بِخِلاَفِ الْمُجَبِّرَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهُ قَدْ
يَأْمُرُهُمْ بِمَا يَضُرُّهُمْ وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ.
**********
الشرح
قوله: «وَبَيْنَ الْخَالِقِ تَعَالَى
وَالْمَخْلُوقِ مِنْ الْفُرُوقِ مَا لاَ يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى
بَصِيرَةٍ». يقصد الشيخ رحمه الله بهذا الكلام الرد على الذين
الصفحة 1 / 690
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد