وَسَاغَ النِّزَاعُ فِي
السُّؤَالِ بِالأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ دُونَ الإِْقْسَامِ بِهِمْ؛ لأَِنَّ
بَيْنَ السُّؤَالِ وَالإِْقْسَامِ فَرْقًا: فَإِنَّ السَّائِلَ مُتَضَرِّعٌ
ذَلِيلٌ يَسْأَلُ بِسَبَبِ يُنَاسِبُ الإِْجَابَةَ وَالْمُقْسِمُ أَعْلَى مِنْ
هَذَا فَإِنَّهُ طَالِبٌ مُؤَكِّدٌ طَلَبَهُ بِالْقَسَمِ وَالْمُقْسِمُ لاَ
يُقْسِمُ إلاَّ عَلَى مَنْ يَرَى أَنَّهُ يُبِرُّ قَسَمَهُ فَإِبْرَارُ الْقَسَمِ
خَاصٌّ بِبَعْضِ الْعِبَادِ. وَأَمَّا إجَابَةُ السَّائِلِينَ فَعَامٌّ؛ فَإِنَّ
اللَّهَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمُضْطَرِّ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ
كَافِرًا.
وَفِي
الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو اللَّهَ
بِدَعْوَةِ لَيْسَ فِيهَا إثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ
بِهَا إحْدَى خِصَالٍ ثَلاَثٍ: إمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ وَإِمَّا
أَنْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ مِثْلَهَا وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ
الشَّرِّ مِثْلَهَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذًا نُكْثِرُ قَالَ: «اللَّهُ
أَكْثَرُ» ([1]).
وَهَذَا
التَّوَسُّلُ بِالأَْنْبِيَاءِ بِمَعْنَى السُّؤَالِ بِهِمْ - وَهُوَ الَّذِي
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ - لَيْسَ
فِي الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ فَضْلاً أَنْ
يُجْعَلَ هَذَا مِنْ مَسَائِلِ السَّبَبِ؛ فَمَنْ نَقَلَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ
أَنَّهُ جَوَّزَ التَّوَسُّلَ بِهِ بِمَعْنَى الإِْقْسَامِ بِهِ أَوْ السُّؤَالِ
بِهِ: فَلَيْسَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ نَقْلٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فَضْلاً عَنْ
أَنْ يَقُولَ مَالِكٌ: إنَّ هَذَا سَبٌّ لِلرَّسُولِ أَوْ تَنَقُّصٌ بِهِ.
بَلْ
الْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِلدَّاعِي أَنْ يَقُولَ: يَا سَيِّدِي
سَيِّدِي وَقَالَ: قُلْ كَمَا قَالَتْ الأَْنْبِيَاءُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا
كَرِيمُ. وَكَرِهَ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ: يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ فَإِنَّهُ
لَيْسَ بِمَأْثُورِ عَنْهُ.
**********
الشرح
قوله رحمه الله: «وَسَاغَ النِّزَاعُ فِي السُّؤَالِ بِالأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ». إذا قال السائل: أسألك بنبيك. فإن كان يريد بهذا الإقسام على الله تكون الباء
الصفحة 1 / 690