فَالزِّيَارَةُ عَلَى هَذِهِ
الْوُجُوهِ كُلِّهَا مُبْتَدَعَةٌ لَمْ يَشْرَعْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
وَلاَ فَعَلَهَا الصَّحَابَةُ لاَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَلاَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ الشِّرْكِ وَأَسْبَابِ الشِّرْكِ.
وَلَوْ
قَصَدَ الصَّلاَةَ عِنْدَ قُبُورِ الأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَقْصِدَ دُعَاءَهُمْ وَالدُّعَاءَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ أَنْ يَتَّخِذَ
قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ لَكَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَلَكَانَ
صَاحِبُهُ مُتَعَرِّضًا لِغَضَبِ اللَّهِ وَلَعْنَتِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ
أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ([1]).
وَقَالَ:
«قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ». يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا ([2]). وَقَالَ: «إنَّ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا
الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» ([3]).
فَإِذَا
كَانَ هَذَا مُحَرَّمًا وَهُوَ سَبَبٌ لِسَخَطِ الرَّبِّ وَلَعْنَتِهِ فَكَيْفَ
بِمَنْ يَقْصِدُ دُعَاءَ الْمَيِّتِ وَالدُّعَاءَ عِنْدَهُ وَبِهِ وَاعْتَقَدَ
أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ إجَابَةِ الدَّعَوَاتِ وَنَيْلِ الطَّلَبَاتِ
وَقَضَاءِ الْحَاجَاتِ ؟ وَهَذَا كَانَ أَوَّلَ أَسْبَابِ الشِّرْكِ فِي قَوْمِ
نُوحٍ وَعِبَادَةِ الأَْوْثَانِ فِي النَّاسِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بَيْنَ
آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الإِْسْلاَمِ ثُمَّ ظَهَرَ
الشِّرْكُ بِسَبَبِ تَعْظِيمِ قُبُورِ صَالِحِيهِمْ ([4]).
وَقَدْ اسْتَفَاضَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» وَفِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَقِصَصِ الأَْنْبِيَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا﴾ [نوح: 23]: أَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا قَوْمًا
([1]) أخرجه: مالك في الموطأ رقم (414).
الصفحة 1 / 690