ومِنْهَا أَنْ يَدْعُوَ الرَّائِي بِذَلِكَ رَبَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِيُبَيِّنَ لَهُ الْحَالَ. و «مِنْهَا أَنْ يَقُولَ
لِذَلِكَ الشَّخْصِ: أَأَنْت فُلاَنٌ؟ وَيُقْسِمُ عَلَيْهِ بِالأَْقْسَامِ
الْمُعَظَّمَةِ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ قَوَارِعَ الْقُرْآنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ
الأَْسْبَابِ الَّتِي تَضُرُّ الشَّيَاطِينَ.
وَهَذَا كَمَا إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعِبَادِ يَرَى
الْكَعْبَةَ تَطُوفُ بِهِ وَيَرَى عَرْشًا عَظِيمًا وَعَلَيْهِ صُورَةٌ عَظِيمَةٌ
وَيَرَى أَشْخَاصًا تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ فَيَظُنُّهَا الْمَلاَئِكَةَ وَيَظُنُّ
أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ هِيَ اللَّهُ - تَعَالَى وَتَقَدَّسَ - وَيَكُونُ ذَلِكَ
شَيْطَانًا.
وَقَدْ جَرَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ
مِنْ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَعَرَفَ أَنَّهُ الشَّيْطَانُ
كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ فِي حِكَايَتِهِ الْمَشْهُورَةِ حَيْثُ قَالَ:
كُنْت مَرَّةً فِي الْعِبَادَةِ فَرَأَيْت عَرْشًا عَظِيمًا وَعَلَيْهِ نُورٌ
فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ الْقَادِرِ أَنَا رَبُّك وَقَدْ حَلَلْت لَك مَا حَرَّمْت
عَلَى غَيْرِك. قَالَ: فَقَلَتْ لَهُ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ
اخْسَأْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ. قَالَ: فَتَمَزَّقَ ذَلِكَ النُّورُ وَصَارَ
ظُلْمَةً وَقَالَ يَا عَبْدَ الْقَادِرِ نَجَوْت مِنِّي بِفِقْهِك فِي دِينِك
وَعِلْمِك وَبِمُنَازَلاَتِك فِي أَحْوَالِك. لَقَدْ فَتَنْت بِهَذِهِ الْقِصَّةِ
سَبْعِينَ رَجُلاً. فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ عَلِمْت أَنَّهُ الشَّيْطَانُ؟ قَالَ:
بِقَوْلِهِ لِي: حَلَلْت لَك مَا حَرَّمْت عَلَى غَيْرِك. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ
شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لاَ تُنْسَخُ وَلاَ تُبَدَّلُ وَلأَِنَّهُ
قَالَ أَنَا رَبُّك وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ أَنَا اللَّهُ الَّذِي لاَ إلَهَ
إلاَّ أَنَا.
وَمِنْ هَؤُلاَءِ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَرْئِيَّ
هُوَ اللَّهُ وَصَارَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ
اللَّهَ تَعَالَى فِي الْيَقَظَةِ وَمُسْتَنَدُهُمْ مَا شَاهَدُوهُ. وَهُمْ
صَادِقُونَ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ
الشَّيْطَانُ.
**********
الشرح
قوله: «ومِنْهَا أَنْ يَدْعُوَ الرَّائِي
بِذَلِكَ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِيُبَيِّنَ لَهُ الْحَالَ». إذا أخلص
العبد إيمانه بالله جل وعلا، وتوكل عليه، ودعاه وحده لا شريك له، فإن نصر الله
آتيه لا محالة.
الصفحة 1 / 690