×
شرح كتاب العبودية

وَقَالَ تَعَالَى عَنْ الْمَسِيحِ - الَّذِي اُدُّعِيَتْ فِيهِ الإِْلَهِيَّةُ وَالنُّبُوَّةُ -: ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا عَبۡدٌ أَنۡعَمۡنَا عَلَيۡهِ وَجَعَلۡنَٰهُ مَثَلٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ [الزخرف: 59]، وَلَهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» ([1]).

****

 عبادًا مُنْقَادين له، يتلقون الجزاءَ على أعمالِهم، ﴿وَكُلُّهُمۡ ءَاتِيهِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَرۡدًا واحدًا واحدًا يحاسِبُهم ويُجازِيهِم، فلو كان منهم أحدٌ ولدًا لله سبحانه لخرَجَ عن هذه العبودية، فالعبدُ لا يجوزُ أنْ يكونَ ابنًا للهِ جل وعلا. والمملوكُ لا يكونُ ابنًا للمالِك.

قد ادَّعَتِ النَّصارى في المسيحِ أنه ابنُ الله، ﴿وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ [التوبة: 30]، واللهُ جل وعلا نَفى ذلك، فقال: ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا عَبۡدٌ أي: المسيح ما هو إلا عبد، فكيفَ يكونُ العبدُ ابنًا للهِ سبحانه وتعالى، ﴿أَنۡعَمۡنَا عَلَيۡهِ أنعمَ اللهُ عليه بالنبوةِ والرِّسالة، والآياتِ العظيمة، ﴿وَجَعَلۡنَٰهُ مَثَلٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ قدوة يُقْتدَى به في الخَير.

وقال نبيُّنا صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ..»: نهى صلى الله عليه وسلم هذه الأمةَ أن تغلُو في حقِّه، وترفعه فوقَ منزلتِه، كما فعلتِ النصارى في حقِّ المسيح، حيثُ رفعوه من منزلةِ البشريةِ والعبوديةِ إلى منزلةِ الأُلوهية، فقالوا: المسيحُ ابنُ الله، وسمُّوه بالإلهِ والابن، تعالى اللهُ عمَّا يقولون، فهذا شِركٌ وكفرٌ أكبر؛ ولهذا حذَّرَ صلى الله عليه وسلم هذه الأمةَ من الغُلُوِّ في حقِّه، والزيادة في مدحِه ورفعِه فوقَ منزلتِه، من منزلةِ العبوديةِ


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3445).