وَقَال تَعَالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الأنفال: 64]،
أيْ حَسْبُك وَحَسْبُ مَنْ اتَّبَعَك اللهُ.
وَمَنْ ظَنّ أَنّ
المَعْنَى حَسْبُك اللهُ والْمُؤمِنُونَ مَعَهُ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطَا فَاحِشًا،
كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضوعِ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَيۡسَ
ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ﴾ [الزمر: 36].
****
رحَلَ المشركون إلى مكة، وعاد المسلمون إلى
المدينة، أراد المشركون أن يُروِّعوا المسلمين فأرسلُوا إليهم مندوبًا يقول: إنا
سنرجِعُ عليكُم ونقتُلُ بقيَّتَكم، فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه
الذين خرجوا معه إلى أُحُد أن يخرجوا، فخرَجَ بهم صلى الله عليه وسلم ونزلَ في
حمراءِ الأَسَدِ ينتظرُهم، فلما بلَغَ المشركين خروجُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم
وأصحابِه خافوا وهرَبوا، وقال المسلمون وهم في هذه الحالةِ الحَرِجة ﴿وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ
وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾، فقصَرُوا الحسْبَ على الله،
ونِعْمَ الوكيل المُفَوَّض إليه وهو اللهُ جل وعلا، هذه عقيدتُهم لم تتغير، ولم
يُرهبْهم تهديدُ الكفار؛ لأنَّ اللهَ حسْبُهم وهو كافيهم، وماذا كانتِ العاقبة: ﴿فَٱنقَلَبُواْ
بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ
رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ﴾
[آل عمران: 174]، وهذا نتيجةُ التوكُّلِ والصِّدقِ مع اللهِ سبحانه وتعالى وعدمِ
الإصغاءِ لتهديدِ العَدُو.
«وَقَال تَعَالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾: أَيْ حَسْبُك وَحَسْبُ مَنْ
اتَّبَعَك الله»: فيكون ﴿وَمَنِ
ٱتَّبَعَكَ﴾ معطوفًا على ضميرِ المخاطَب «الكاف» في قوله: ﴿حَسۡبُكَ﴾: فاللهُ حسبُك وحسبُ من اتَّبعَك من المؤمنين، فهو
الحسْبُ الواحدُ لهم سبحانه ليس له شَريك، ﴿حَسۡبُكَ﴾ وليس المرادُ حسْبُك اللهُ والمؤمنون
الصفحة 4 / 397