عَرَفَ الْعُبُودِيَّةَ الْمُتَعَلِّقَةَ
بِرُبُوبِيَّةِ اللهِ، وَهَذَا الْعَبْدُ يَسْأَلُ رَبَّهُ فَيَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ
وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَدْ يُطِيعُ أَمْرَهُ؛ وَقَدْ يَعْصِيهِ، وَقَدْ
يَعْبُدُهُ مَعَ ذَلِكَ؛ وَقَدْ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ وَالأَْصْنَامَ. وَمِثْلُ
هَذِهِ الْعُبُودِيَّةِ لاَ تُفَرِّقُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَلاَ
يَصِيرُ بِهَا الرَّجُلُ مُؤْمِنًا.
****
«وَمِثْل هَذِهِ الْعُبُودِيَّةِ
لاَ تُفَرِّقُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»: أي: إنَّ
هذه العبوديةَ القاصرةَ التي يُعبَدُ فيها اللهُ ببعضِ أنواعِ العبادةِ ويُشرَكُ
به في البعضِ الآخَرِ لا تنفعُ العابد، فقد كان للمشركين شيءٌ من توحيدِ الألوهيةِ
حيثُ كانوا يَحُجُّون ويَعتَمِرون، وكانوا يتقرَّبون إلى اللهِ ببعضِ أنواعِ
العِبادات، ولكنَّهم يُشركون في الأنواعِ الأخرى كالذبحِ والنذرِ والدعاءِ
والاستغاثةِ وغيرِ ذلك، فلا فرْقَ بينَ هذا الذي أتَى ببعضِ توحيدِ الألوهيةِ وبينَ
الذي جَحَده كلَّه، فلا تفريقَ بينهما في الحُكْم؛ لأنَّ الدِّينَ كلَّه للهِ عز
وجل، ولا يصْلُحُ الدينُ إلا أن يكونَ كلُّه خالصًا لله، قال تعالى: ﴿فَٱدۡعُواْ ٱللَّهَ
مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾
[غافر: 14].