×
شرح كتاب العبودية

وَكثيرٌ مِمَّن يتَكَلَّم فِي الْحَقِيقَةِ ويشْهَدُها يشْهَد هَذِه الْحَقِيقَة، وَهِي «الْحَقِيقَة الكونية» الَّتِي يشْتَرِكُ فِيهَا وَفِي شُهُودِها مَعْرفَتهَا الْمُؤمن وَالْكَافِر، وَالْبَرُّ والفَاجِر،

****

 مُعترِفون بتوحيدِ الربوبية، ولكنَّهم جَحَدوا توحيدَ الألوهيةِ أو بعضَه، فلم يُدخِلْهم إقرارُهم بتوحيدِ الربوبيةِ أو ببعضِ توحيدِ الألوهيةِ في الإسلام، ولم يُنجِهم من النار، فالمَدارُ على توحيدِ الألوهية. توحيدًا خالصًا مِن الشِّرك.

قوله: «وكثيرٌ مِمَّن يتكَلَّمُ في الحقيقةِ ويشهدُها يشهَدُ هذه الحقيقة»: من غُلاةِ الصُّوفيةِ الذين يشهدونَ توحيدَ الربوبيةِ ويعترِفونَ بأنَّ اللهَ هو الخَالق، والرَّازِق، وأن المُلكَ له سبحانه، ويُسمُّون هذا بالشُّهُود، شهود توحيدِ الرُّبوبية، ويَظُنُّون بزَعْمِهم أنَّ هذا يكفيهم ويُسمُّون أنفسَهم بالعَارفين، وأنَّ الإنسانَ إذا عرَف هذا النوعَ فإنَّه يكفيه، وقد وصَلَ إلى اللهِ ولا يحتاجُ إلى العبادات، وإنَّما العباداتُ للعوام الذين لم يَصِلُوا إلى معرفةِ الرُّبوبية.

فهؤلاء لما كان صنيعُهم مثلَ صنيعِ المشركين من الوقُوفِ عندَ توحيدِ الرُّبوبيةِ وتركِ توحيدِ الأُلوهية، صارُوا مثلَ المشركين ولا فرْق، ورُبَّما يكُونُون أسوءَ من المشركين؛ وهذا المذهبُ مذهبٌ خَبيث، وهو الوقوفُ عندَ توحيدِ الرُّبوبيةِ فقط، وقول: إنَّ توحيدَ الأُلوهيةِ والعبادةَ للعَوَامِّ الذين لم يصِلُوا إلى هذه الحقيقةِ وأمَّا العارفون فلا يحتاجون إلى ذلك؛ لأنَّهم وصلُوا إلى اللهِ فتسقُطُ عنهم التَّكاليف، ويُسمُّون أنفسَهم الخاصةَ أو خاصَّةَ الخاصة، والحقيقةُ أنَّ الشيطانَ تلاعَبَ بعقولِهم، وأغوَاهُم كما أغوى المشركين في الجَاهلية.


الشرح