وَلَو كَانَ هَذَا عُذرًا لَكَانَ عذرًا لإبليسَ
وَقومَ نوحٍ وَقومَ هودٍ وكل كَافِر، وَلاَ مُوسَى لاَمَ آدمَ أَيْضًا لأجْلِ
الذَّنبِ، فَإِنَّ آدمَ قد تَابَ إِلَى ربِّه فاجتَباه وَهَدَى، وَلَكِن لاَمَه
لأجْلِ الْمُصِيبَة الَّتِي لَحِقَتْهم بالخَطِيئة، وَلِهَذَا قَالَ: فلمَاذا
أخرجْتَنا ونفسَك مِن الْجَنَّة؟ فَأَجَابَهُ آدم: إِن هَذَا كَانَ مَكْتُوبًا
قبلَ أَن أُخلق.
فَكَانَ الْعَمَلُ
والمصيبةُ المترتبةُ عَلَيْهِ مقدَّرًا، وَمَا قُدِّر من المصائبِ يجِبُ
الاستسلامُ لَهُ، فَإِنَّهُ من تَمامِ الرِّضَا بِاللَّهِ رَبًّا. وَأمَّا
الذُّنُوبُ فَلَيْسَ للْعَبدِ أَن يُذنبَ وَإِذا أذْنبَ فَعَلَيهِ أَن يسْتَغْفرَ
وَيَتُوب، فيتوبَ من المعائِبِ ويصْبِرُ على المَصَائب.
****
هذا
هو طريقُ الإيمان، وهو الاحتجاجُ بالقَدَرِ على المُصِيبة، وهو الذي احتَجَّ به
آدمُ على ابنهِ موسى عليهما السلام، ولمْ يحتَج على المَعصية، فإنَّ هذا لا
يَحتَجُّ به مؤمنٌ أبدًا.
ما
يُبطِلُ الاحتجاجَ بالقدَرِ على فِعلِ المعاصي:
وقوله:
«ولو كان هذا عُذْرًا لكانَ عُذرًا لإبليسَ
وقومِ نوحٍ وقومِ هودٍ وكُلِّ كافر»: وكذا كلُّ مُشركٍ يقول: ﴿لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ
مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا﴾
[الأنعام: 148]، لو كان القضاءُ والقدَرُ حُجَّةً على المعصيةِ لصار حُجَّةً
للأممِ السابقةِ من إبليسَ وأتباعِه، ولم يُرسلِ اللهُ الرُّسلَ بالأوامرِ
والنواهي.
قوله:
«ولا موسى لامَ آدمَ أيضًا لأجل الذنب»:
أي: لم يَلُمْ موسى آدمَ عليهما السلام من أجْلِ الذَّنْب، فلم يقُل له: لماذا
أذْنَبْت، لماذا أكلْتَ من الشجرةِ حتى يحتجَّ آدمُ بالقدَر، وإنَّما لامَه على ما
حصَلَ على الذَّنْبِ من العقوبةِ وهي إخراجُهم من الجَنة.