وَهَؤُلاَء يجْعَلُونَ الأَمر وَالنَّهْي
للمحْجُوبين الذين لم يشْهدُوا هَذِه الحَقِيقَة الكونية وَلِهَذَا يجْعَلُونَ من
وصل إِلَى شُهُود هَذِه الحَقِيقَة يسْقط عَنهُ الأَمر وَالنَّهْي، وصَار من
الخَاصَّة.
وَرُبمَا تأولوا
على ذَلِك، قَوْله تَعَالَى: ﴿وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ
يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]، وجعَلُوا اليَقين هُوَ معرفَة هَذِه
الحَقِيقَة، وَقَول هَؤُلاَءِ كفرٌ صَرِيح. وَإِن وَقع فِيهِ طوائف لم يعلمُوا
أَنه كفر؛ فَإِنَّهُ قد علم بالاضطرار من دين الإِسْلاَم أَن الأَمر وَالنَّهْي
لازم لكل عبد مَا دَامَ عقله حَاضرًا إِلَى أَن يَمُوت، لاَ يسقط عَنهُ الأمر
والنهي لاَ بشهوده القدر، وَلاَ بِغَيْر ذَلِك، فَمن لم يعرف ذَلِك عُرِّفه؛
وبيِّن لَهُ فَإِن أصر على اعْتِقَاد سُقُوط الأَمر وَالنَّهْي فَإِنَّهُ يُقتل،
وَقد كثرت مثل هَذِه المقالات فِي المُسْتَأْخِرِينَ، وَأما المستقدمون من هَذِه الأمة
فَلم تكن هَذِه المقالات مَعْرُوفَة فيهم.
وَهَذِه المقالات
هِيَ محادة لله وَرَسُوله، ومعاداة لَهُ، وَصد عَن سَبيله ومشاقة لَهُ؛ وَتَكْذيب
لرسله؛ ومضَادة لَهُ فِي حكمه، وَإِن كَانَ من يَقُول هَذِه المقالات قد يجهل
ذَلِك ويعتقد أَن هَذَا الذي هُوَ عَلَيْهِ هُوَ طَرِيق الرَّسُول؛ وَطَرِيق
أَوْلِيَاء الله المُحَقِّقين؛ فَهُوَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة من يعْتَقد أَن
الصَّلاَة لاَ تجب عَلَيْهِ لاستغنائه عَنْهَا بِمَا حصل لَهُ من الأَحْوَال
القلبية، أَو أَن الخمر حَلاَل لَهُ لكَونه من الخَواص الذين لاَ يضرهم شرب الخمر؛
أَو أَن الفَاحِشَة حَلاَل لَهُ؛ لأَِنَّهُ صَار كالبحر لاَ تكدره الذُّنُوب؛
وَنَحْو ذَلِك
****
ثالثًا: الصُّوفيَّة: يَجعَلون الأَوامرَ والنَّواهِي لِلعَامَّة الذينَ لَم