×
شرح كتاب العبودية

لأنَّ العقلَ لاَ يُدركُ كُلَّ شيءٍ، فَهو قَاصرٌ وتَابعٌ للنَّقل، وَلو كَانتِ العُقول كَافيَة لَما احتَجْنا إِلى نُزولِ القُرآن والسُّنَّة.

قَوله: «وَأصلُ ضَلالِ مَن ضَلَّ...»، أي: إِنَّ سَببَ الضَّلال هُو: تقْدِيم العَقلِ عَلى النَّصِّ المُنزَّل مِن عِند اللهِ، وَتقدِيم الهَوى عَلى اتِّباع الهُدى؛ فَعلماءُ الكَلام يُقدِّمون آرَاءَهم وَعُقولَهم وَما يَزعُمُونَه مِن العَقليَّات عَلى كِتَاب اللهِ وسُنَّة رَسُوله.

وَكَذلكَ الصُّوفيَّة يُقدِّمونَ الذَّوقَ وَهُو مَا يتَلذَّذُون بِه ولَو كَان مُخالِفًا لِلكتابِ والسُّنَّة، وَيقدِّمون الوَجدَ وَهوَ مَا يُحبّونه عَليهِما، وَهذا هُو أَصلُ الضَّلال، فَتركُ الكِتابِ والسُّنَّة وَجعْلُ بَديلِهما الآرَاء والبِدع والأذْوَاق وَالموَاجيدِ والأقيِسَة والعُقُول هوَ الذِي أوْقَعَهم فِي الضَّلال. وَلِهذا لَمَّا سُئل سُفيان بْن عُيينَة: «مَا بَالُ أهْلِ الأهْواءِ لَهُم مَحبَّة شَديدَة لأِهوَائِهم؟». أجَابَ بِقَولِه: أنسيت قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ [البقرة: 93].


الشرح