كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ
اللهَ خَلَقَ لِلجَنَّةِ أَهْلاً، خَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ
آَبَائِهِمْ، وَبِعَمَلِ أَهْل الجَنَّةِ يَعْمَلُونَ» ([1])، وكما قَالَ
النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما أخْبرهُم بِأَن الله كتب المَقَادِير فَقَالُوا: يَا
رَسُول الله أَفلا نَدع العَمَل ونتَّكِل على الكتاب؟ فَقَالَ: «لاَ. اعْمَلُوا
فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ؛ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ
فَسَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الشَّقَاوَةِ فَسَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَة» ([2]).
****
فكذا
الطُّيور لا تَبقَى فِي أوكَارهَا، بَل تخرُجُ وتبْحَث عَن الرِّزق؛ ولِذلكَ مِن
حينِ تُصبِح تَخرُج مِن أوكَارِها وتَذهَب في طَلبِ الرِّزق؛ لأنَّ اللهَ فَطرها
عَلى أنَّه لا بدَّ من اتِّخاذِ الأسْباب.
قَولُه
صلى الله عليه وسلم: «وَبِعَمَلِ أَهْلِ
الجَنَّةِ يَعْمَلُونَ»، وَلم يُقل: خَلَق لَها أهْلاً يَدخلُونهَا دُون
عَملٍ، فَهو خَلقهُم وقدَّر أنْ يَعملُوا شَيئًا يدْخلون بِه الجَنَّة، وَلذَلكَ
قَال: «وَبِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ
يَعْمَلُونَ»، وَكذا خَلق للنَّار أهْلاً، قَال صلى الله عليه وسلم: «وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ».
فالعَمل هُو السَّبب، قَال صلى الله عليه وسلم: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، وَقال تَعَالى: ﴿فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ٥وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٦ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ ٧﴾ [الليل: 5- 7]، هذِه أسْبَاب، ﴿وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ ٨وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٩ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ ١٠﴾ [الليل: 8- 10]، فهَذِه أسْبَاب السَّعادة والشَّقاوَة،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2662).