فَمَا أَمر الله بِهِ عباده من الأَسْبَاب فَهُوَ
عبَادَة والتوكل مقرون بِالعبَادَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ﴾ [هود: 123]،
وَفِي قَوْله: ﴿قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ
إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ﴾ [الرعد: 30]،
وَقَول شُعَيْب عليه السلام: ﴿عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ
وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى: 10].
****
فَلا بدَّ أنْ يَعمل الإنْسانُ إمَّا بالخَير
وإمَّا بالشَّرِّ، قَال: «كُلُّ النَّاسِ
يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» ([1])،
﴿لَهَا مَا
كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ﴾
[البقرة: 286].
قَولُه: «والتَّوكُّل مَقرونٌ بِالعبَادة، كَما فِي قَولِه تَعَالى: ﴿فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ﴾ [هود: 123]
»، وقَال اللهُ جل وعلا: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ﴾ [الطلاق: 3] فالتَّوكُّل سَببٌ.
وقَال:
﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ
يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا﴾
[الطلاق: 2]، وقَال تَعَالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ
يُسۡرٗا﴾ [الطلاق: 4]، فالتَّقوى
سَببٌ لِلخروجِ مِن الشَّدائدِ، وَهي عَملٌ مِن الأعْمَال.
قال تعَالَى: ﴿قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي: لا مَعْبُود لي بِحَقٍّ سِواه، ﴿عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ﴾، هذا سَببٌ، ﴿وَإِلَيۡهِ مَتَابِ﴾؛ أي: الرُّجُوع مِن الذُّنوبِ بِالطَّاعةِ، فَالتَّوبَة سَببٌ لِلمَغفِرةِ، قَال تعَالَى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٞ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ﴾ [طه: 82]، فالمَغفِرَة لَها سَببٌ، وَما مِن شَيءٍ إلاَّ وَله سَببٌ، فَقَطعُ الأسْبابِ والاعْتِماد علَى القَدرِ مُغالَطة وجَهلٌ، وَإنْ كَانوا يَزعُمون أنَّهم أهْل اليَقين وأهْل المَعرِفَة.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (223).
الصفحة 3 / 397