قولُه: «الاعْتِصَام بِالسُّنَّة نجَاة»، أي:
مِن أسْبَاب النَّجاةِ مُخالَفة هَؤلاءِ والتَّمسُّك بِالسُّنَّة، قَال صلى الله
عليه وسلم: «فَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ
مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي
وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ المَهْدِيِينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا
عَلَيْهَا بِالنَّواجِذِ» ([1]).
فَعنْدَ
ظُهورِ الفِتَن وَالشُّرورِ لاَ نَجَاة إِلاَّ بِالتَّمسُّك بِالسُّنَّة، وَهِي
مِن أَعْظَم الأسْبابِ التِي أَمَر بِها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ومِنَ
المُغَالطَة أَن يَقُول الإنْسَان: إِن كُتِبت لِي الهِدايَة اهْتَديتُ، وَإنْ
كُتِبتْ لِي الضَّلاَلةُ ضَلَلتُ، ويترُك التَّمسُّك بِالسُّنَّة.
ولِهَذا
قَال الأئِمَّةُ: «السُّنَّة
مِثل سَفِينة نُوح؛ مَن رَكِبَها نَجَا، وَمَن تَخَلَّف عَنهَا غَرَقَ»؛
وذَلكَ لمَّا جَاء الطُّوفانُ وعَمَّ المَاءُ الأرْضَ وَغطَّى الجِبال؛ مَا نَجا
إلاَّ الذِين كَانوا فِي السَّفينَة مَع نُوح، والبَقيَّة غَرَقوا.
وَمنْهُم ابْن نُوح، قالَ لَه: ﴿يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [هود: 42]، فقَالَ: ﴿سََٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ﴾ [هود: 43]؛ فَغَرق مَعَهُم، لأنَّه ترَك السَّببَ الذِي أمَر اللهُ بهِ نَبيَّه نُوحًا عليهِ السَّلام، وهُوَ صِناعة السَّفينَة والرُّكوب فِيها، فَهذا سَببٌ مِن الأسْباب، فَلمَّا تَرك هَذا الجَاهلُ السَّببَ غَرقَ مَع الكَافرِين، نَسألُ اللهَ العَافيةَ.
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4607)، والترمذي رقم (2676)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17142).