فالمُحِبُّ لله وَرَسُوله إِذا لم يَحْتَمِلْ مَا
يَرَى ذُو الرَّأْيِ من المحبِّين لغير الله مِمَّا يَحْتَملُونَ فِي حُصُولِ
محبوبهم، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ محبَّتهم لله إِذا كَانَ مَا يَسْلُكُهُ
أُولَئِكَ هُوَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُشِير بِهِ الْعَقْلُ.
وَمن الْمَعْلُومِ
أَنَّ الْمُؤْمِنَ أَشَدُّ حبًّا لله، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ
ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة: 165].
نَعَمْ قَدْ
يَسْلُكُ الْمُحِبُّ لِضَعْفِ عَقْلِهِ، وَفَسَادِ تَصَوُّرِهِ طَرِيقًا لاَ
يَحْصُلُ بهَا الْمَطْلُوبُ؛ فَمِثْلُ هَذِهِ الطَّرِيقِ لاَ تُحْمَدُ إِذَا
كَانَتِ الْمَحبَّةُ صَالِحَةً مَحْمُودَةً، فَكيف إِذا كَانَت الْمحبَّة
فَاسِدَةً، وَالطَّرِيق غير موصِّل؟!
****
قوله: «فالمُحِبُّ لله ورسوله إذا لم يحتمل ما يرى ذو الرَّأي من المُحِبِّينَ
لغير الله ممَّا يحتملون في حُصُولِ محبوبهم، دَلَّ ذلك على ضَعْفِ محبَّتهم لله،
إذا كان ما يَسْلُكُهُ أولئك هو الطَّريقَ الَّذي يُشِيرُ به العقل»: فلا
أَحَدَ يَدَّعِي أنَّه يُحِبُّ الله ويُحِبُّ رَسُولَ الله، إلاَّ بأن يتحمَّل في
سبيل ذلك ما تكرهه نَفْسُهُ، وما يَشُقُّ عَلَيْهِ، كما أَنَّ المُحِبِّينَ
لِغَيْرِ الله يتحمَّلون في سبيل محبوبهم ما يَشُقُّ عَلَيْهِم، فَيَبْذُلُونَ
أَنْفُسَهُم وأموالهم دُونَ مَعْبُودَاتِهِم؛ لأنَّهم يحبُّونها حبًا شديدًا.
«وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ المؤمن
أَشَدُّ حبًّا لله»: لأنَّهم يحبُّونه محبَّة خالصة،
ليس فيها شِرْكٌ، أمَّا المُشْرِكُونَ فَهُمْ يحبُّون الله، ولكن يُشْرِكُونَ
مَعَهُ غَيْرَهُ في المحبَّة؛ فمحبَّتهم لله غَيْرُ خالصة، ولذلك صَارَ
المُؤْمِنُونَ أَشَدَّ حبًّا لله مِنَ المشركين بالله؛ لأنَّ محبَّة المُؤْمِنِينَ
لله خَالِصَةٌ، ومحبَّة المُشْرِكِينَ لَهُ غَيْرُ خَالِصَةٍ.