وَمعرفَةِ حَقيقَةِ العُبوديَّةِ لِله عز وجل
وَحقيقَة الكَون.
وَلِهذا
لمَّا هَدَّدُوا نَبيَّ اللهِ هُودًا عليه السلام، قالَ مُتحدِّيًا لَهُم: ﴿إِن نَّقُولُ
إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ
وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ ٥٤مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي
جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ٥٥إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي
وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي
عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٦﴾
[هود: 54- 56]، فَهُو رَجلٌ وَاحدٌ هدَد دَولةً عَاتيةً قويَّةً، فَكانتِ النَّتيجَة
أنَّ اللهَ نَجَّاه وأهلك هذهِ الأَمَّةِ العَاتية عَن آخِرِها، مَعَ أنَّهم
يَقُولون: ﴿يَٰهُودُ
مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَةٖ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ
وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ﴾
[هود: 53]، فَهَذه أَعظَمُ آَيةٍ وَمُعجِزَةٌ كَبيرةٌ أَنَّه تحدَّاهُم هَذا
التَّحدِّي، وَعندَهم القُوَّة وَلم يَستطِيعوا أَن يَصلُوا إِليهِ بقُوَّتِهم
وَجَبروتِهِم وَهُوَ يَقول لَهُم: ﴿مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا
تُنظِرُونِ ٥٥إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن
دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ
مُّسۡتَقِيمٖ ٥٦﴾ [هود: 55-
56].
قَولُه:
«وَهَذا هُو حَقيقَة دِينِ الإِسلامِ
الذِي أَرسَل بِه رُسلَه، وَأنزَل بِه كُتُبهُ وَهُو أَن يَستَسْلِم العَبدُ لِله
لاَ لِغيرِه»: فَالإسْلام مَعنَاه: الاسْتِسْلامُ لِله عز وجل بِالتَّوحيدِ،
والانْقِيادُ لَه بِالطَّاعَةِ، وَالبَراءَة مِن الشِّركِ وَأهْلِه، وَهذا مَعنى
الإِسلامِ الذِي شَرَعه اللهُ سبحانه وتعالى، وَهُو الإِسلامُ الاخْتيَارِي، أمَّا
الإسْلامُ الاضْطِرارِيُّ المَذكُور فِي قَولِه: ﴿وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾ [آل عمران: 83]، فَهُو إِسْلامٌ اضْطِراريٌّ مَعنَاه
أَنَّهم تَنفُذُ فِيهم أَقدَاره الكَونِيَّةُ وَلا يَستطَيعُون رَدَّها
وَالتَّخَلُّص مِنهَا.
الصفحة 5 / 397