×
شرح كتاب العبودية

كَانَ قد حصل لَهُ من تَمام عبوديته لله بِحَسب مَا قسم لَهُ من ذَلِك.

وَالنَّاس فِي هَذَا على دَرَجَات مُتَفَاوِتَة لاَ يحصي طرفيها إِلاَّ الله. فأكمل الخلق وأفضلهم وَأَعْلاَهُمْ وأقربهم إِلَى الله وَأَقْوَاهُمْ وأهداهم أتمهم عبودية لله من هَذَا الوَجْه. وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة دين الإِسْلاَم الَّذِي أرسل بِهِ رسله، وَأنزل بِهِ كتبه وَهُوَ أَن يستسلم العَبْد لله لاَ لغيره،

****

كُلُّ الكَونِ بِما فِيه الجِنُّ وَالشَّياطِينُ وَكلُّ شَيءٍ كُلُّهم بِيدِ اللهِ مُسخَّرُون مُطِيعونَ لِله عز وجل، قَال تَعَالى: ﴿لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ [البقرة: 116].

قَولُه: «كانَ قَد حَصلَ لَه مِن تَمامِ عُبودِيَّتهِ لِله بِحسبِ مَا قُسِمَ لَه مِن ذَلكَ»: أي: إذَا عَرَف أنَّ كُلَّ شَيء بِالكونِ هُو بِيدِ اللهِ، وَأنَّهم خَلْقُه وَعبيدُه، فَإذا عَرفَ أنَّ اللهَ هُو الرَّبُّ المُدبِّر لِلكونِ فَعَبدَهُ وحقَّق العُبودِيَّة لِلهِ، «بِحسبِ مَا قُسِمَ لَه مِن ذَلكَ» أي: بِحَسبِ مَا قُسِمَ لَه مِن مَعرِفة ذَلكَ، فَقَد يَكونُ الإِنسانُ عِنده قُصورٌ فِي المَعرفَةِ، فَالنَّاس يَتفاوَتُون فِي ذَلكَ، فَكُلٌّ يَحصلُ لَه مِن العُبوديَّةِ بِقدرِ مَا يُدرِكُ مِن هَذه الأُمورِ.

وَلِهذا قَالَ: «والنَّاسُ فِي هَذا عَلى دَرجاتٍ مُتفاوِتَة»: فَمنهُم مَن يَحصُل لَه الشَّيءُ الكَثيرُ مِن المَعرِفةِ لِهذهِ الحَقائِق، وَمنهُم مَن لاَ يَحصُل لَه شَيءٌ وَهوَ المُلحِد والكَافرُ، وَمنهُم مَن يَحصُل لَه بَعضُ الشَّيءِ، فَأنتَ إِذا نَظرتَ فِي النَّاس عَرفتَ أنَّهم مُتفاوِتُون فِي الإِدراكِ


الشرح