قَولُه: «وَأنَّ كُلَّ مَا في السَّماواتِ وَالأرْض
فَاللهُ رَبُّه وَمليكُهُ وَخالِقهُ»: أي: إِذا اعْتَقدَ العَبدُ أنَّ كُلَّ
مَا في السَّمواتِ والأَرضِ مِن عَبيدِ اللهِ وَمخلوقَاتِ اللهِ، وَأنَّها بِيدِ
اللهِ يَتصرَّفُ فِيها، فَهذا هُو الذِي عَرَف الحَقيقَة وَعَرفَ رَبَّه، وَعَرف
حِكمَتهُ فِيما يَجري فِي هذَا الكَونِ، أمَّا مَن يَعتَقدُ أنَّ هَذه
المَخلوقَاتِ مُستقلَّةٌ بِالتَّأثيرِ، وَأن الحَوادِث طَبيعِيَّةٌ كَما يَقولون،
فَهذا لَم يَعرفِ اللهَ سُبحانَه وتعَالى، وإنَّما يَعرفُ هَذه الأشياءَ
وَيَظنُّها أنَّها هِي الفَاعلةُ، مَع أنَّها أسْبابٌ فَقط ولَيستْ هِي الفَاعلةُ
والمَوجودَة، فَكُلُّ مَا في السَّمواتِ والأرْضِ إنَّمَا هُم خَلقُ اللهِ
وَعبيدُهُ، يُدبِّرهُم وَيسَخِّرهُم لَك، يَخدِمونَك وَينفَعونَك، وَإذا عَصيتَ
اللهَ سَلَّطَهم عَليكَ.
قَال
تَعالَى: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [الفتح: 7]، فَيُسلِّط عَليكَ هَذه المَخلوقَات، وَكلُّ
شَيءٍ بِيد اللهِ، قَالَ تَعَالى: ﴿تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ
كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ﴾ [الملك:
1]، كُلُّ شَيء بِيد اللهِ، فَلماذَا تَلتَفتُ عَن اللهِ، وَتطلُب مِن غَير اللهِ
طَلبَ اعْتِمادٍ عَلى غَير اللهِ سُبحانَه وَتَعالَى.
عَلِّقْ
قَلبك بِاللهِ عز وجل، وَاعلمْ أنَّ كُلَّ شيءٍ بِيدهِ، وَكلَّ شَيءٍ مُطيعٌ لِلهِ
إمَّا طَاعة اخْتيارِيَّة، وَإمَّا طَاعة اضْطِراريَّة، حَتَّى الكُفَّار
والشَّياطِين كُلهم يُطيعُون أَقدارَ اللهِ فِيهم وَفي غَيرِهم؛ لأنَّهُم عبيدُه،
فَهم يُطيعُونه طَاعةً اضطِرارِيَّة، قَال تَعالى: ﴿وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ
طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ﴾
[آل عمران: 83]، وأمَّا المُؤمنُ فَإنَّه يُطيعُ اللهَ طَاعةً اختيارِيَّةً.