×
شرح كتاب العبودية

وكل هَذَا فِي الصَّحِيح. وَفِيه أَنه قَالَ ذَلِك قبل مَوته بأيام، وَذَلِكَ من تَمام رسَالَته. فَإِن فِي ذَلِك تَمام تَحْقِيق مخالته لله الَّتِي أَصْلهَا محبَّة الله تَعَالَى للْعَبد، ومحبة العَبْد لله خلافًا للجهمية وَفِي ذَلِك تَحْقِيق تَوْحِيد الله، وَأن لا يعبدوا إِلاَّ إِيَّاه،

****

فَهذا فِيهِ كَمالُ بَلاغِه صلى الله عليه وسلم؛ حيثُ إنَّه عِند المَوت حذَّر مِنهُ؛ خَوفًا عَلى الأُمَّة مِن بَعدِه أَن تَقعَ فِيما وَقعَ فيهِ اليَهود والنَّصَارى مِن اتِّخاذِ قُبور أنْبيائِهم مَساجِد، وَهو مِن كَمالِ شَفقَته صلى الله عليه وسلم وكَمَال نُصحِه، وكَمال البَلاغ للأُمَّة.

قَولُه: «وَذلِك مِن تَمامِ رِسالَتهِ»؛ لأنَّ اللهَ بَعثهُ مُبلِّغًا وَناصِحًا وَمعَلِّمًا، وَقد أكْمَل ذَلكَ كُلَّه، فَما تُوُفِّي صلى الله عليه وسلم إلا وَقَد أكْمَل اللهُ بهِ الدِّينَ، كَما قَال تَعالَى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ [المائدة: 3]، وقَد نَزلتْ هَذهِ الآيَةُ قَبل وَفَاته صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّة الوَدَاع، فمِنْ كَمالِ رِسالَتهِ وَمُهِمَّتِه صلى الله عليه وسلم، أنَّه حَذَّر فِي آخِرِ حَياتِهِ وَعندَ مَوتِه مِن اتِّخَاذ القُبورِ مَساجِد.

قَال الشَّيخُ: «وَذلكَ تَمامُ مُخالَّتِه للهِ التِي أصْلُها مَحبَّةُ اللهِ تَعَالى لِلعبْدِ وَمحبَّةُ العَبدِ للهِ خِلافًا لِلجَهمِيَّة».

وقَولُه: «خِلافًا لِلجَهمِيَّة»: الجَهمِيَّة يَنفُون وَصف اللهِ بالمَحبَّة، وَيقولونَ: اللهُ لا يُحبُ، وَلا يُحبُّه خَلقُه لأَنَّ هَذا مِن صِفات البَشرِ، وَاللهُ مُنزَّهٌ عَن صِفات البَشرِ. ولَمْ يُفرِّقُوا بَينَ صِفات اللهِ وصِفاتِ البَشرِ، فَلم يُفرِّقُوا بَين المَحبَّة فِي حَقِّ اللهِ والمحَبَّة فِي حَقِّ البَشرِ.


الشرح