بَلْ قد جَعَلَ مَحَبَّتَهُ وَمَحَبَّةَ رَسُولِهِ
الْجِهَادَ فِي سَبيلِهِ. وَ«الْجِهَادُ» يَتَضَمَّنُ كَمَالُ مَحَبَّةِ مَا
أَمَرَ اللهُ بِهِ، وَكَمَالُ بُغْضِ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي
صِفَةِ مَنْ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ: ﴿أَذِلَّةٍ
عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ
ِ﴾ [المائدة: 54].
****
فَمَنْ
لا يتَّبع الرَّسول، فهو كَاذِبٌ في دَعْوَى محبَّة الله، بل مِنْهُمْ مَنْ يَرَى
سُقُوطَ الأمر والنَّهْيِ عن المُحِبِّ، فيقول: لا يَحْرُمُ عَلَيَّ شَيْءٌ، ولا
يَجِبُ عَلَيَّ شَيْءٌ؛ لأنَّنِي وَصَلْتُ إلى الله. وهذه الأَوَامِرُ
والنَّوَاهِي إنَّما هي للعَوَامِّ، أمَّا الخَوَاصُّ والعَارِفُونَ بالله، فليسوا
بحاجة إلى اتِّباع الرُّسُلِ، ولا إلى الأَمْرِ، ولا إلى النَّهْيِ؛ لأنَّهم
وَصَلُوا إلى الله؛ فالرُّسُلُ إنَّمَا هم للعَوَامِّ.
قوله:
«بَلْ قَدْ جَعَلَ مَحَبَّةَ الله
وَمَحَبَّةَ رَسُولِهِ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ»: أَيْ: وَمِنْ عَلامَةِ
المَحَبَّةِ لله: الجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ
يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ﴾
[الصف: 4]؛ فَالقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَلامَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ؛ قَالَ
تَعَالَى: ﴿فَسَوۡفَ
يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [المائدة: 54]؛ يَرْفُقُونَ بِالمُؤْمِنِينَ،
وَيَرْحَمُونَهُم، وَيُحِبُّونَهُم، ﴿أَعِزَّةٍ﴾ أَقْوَيَاء، ﴿عَلَى
ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ لا يَخَافُونَ فِيهِم لَوْمَةَ
لائِمٍ، ﴿يُجَٰهِدُونَ فِي
سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ [المائدة: 54] وَهَذِهِ عَلامَةُ
محبَّتهم لله عز وجل.