وَلِهَذَا كَانَتْ مَحَبَّةُ هَذِهِ الأُْمَّةِ
لله أَكْمَلَ مِنْ مَحَبَّةِ مَنْ قَبْلَهَا، وَعُبُودِيَّتُهُم لله أَكْمَلُ مِنْ
عُبُودِيَّةِ مَنْ قَبْلَهُمْ. وَأَكْمَلُ هَذِهِ الأُْمَّةِ فِي ذَلِكَ هُمْ
أَصْحَابُ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم
****
تَقَدَّمَ أَنَّ العبوديَّة مبنيَّة على
المحبَّة؛ فالَّذي يَعْبُدُ شَيْئًا، فلا بُدَّ أَنَّهُ يُحِبُّهُ؛ فالَّذِينَ يَعْبُدُونَ
اللهَ، يُحِبُّونَ اللهَ سبحانه وتعالى ولو لم يحبُّوه، لم يَعْبُدُوهُ، والَّذين
يعبدون الأصنام يحبُّون الأصنام، ولو لم يُحِبُّوها، لم يَعْبُدُوهَا، ولكن
المحبَّة تختلف باختلاف العباد؛ فالمؤمنون يحبُّون الله محبَّةً تامَّةً، لا يشارك
فيها غَيْرُهُ؛ فلا يحبُّون غير الله محبَّة العبوديَّة، ولهذا قال ﴿وَٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ﴾
[البقرة: 165]؛ فهم أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهِم من جميع الخَلْقِ.
والمشركون
يحبُّون الله، ولكن يحبُّون معه غيره، فلمَّا أَشْرَكُوا في المحبَّة، أشركوا في
العبادة؛ قال تعالى: ﴿وَمِنَ
ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة: 165]؛ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يحبُّون الله،
ولكنَّهم يحبُّون معه الأصنام، فهم يُسَاوُونَ بَيْنَ الله وَبَيْنَ الأصنام في
المحبَّة، وَبَيْنَ الله وبين الأصنام في العبادة.
ثمَّ
قال: ﴿وَٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ﴾؛
أَشَدُّ حُبًّا لله من المشركين؛ لأنَّ مَحَبَّةَ المشركين لله مُشْتَرَكَةٌ،
ومحبَّة المؤمنين لله خالصة، وهناك من لا يُحِبُّ الله أَصْلاً؛ وهم الملاحدة
والدَّهريَّة والَّذين لا يؤمنون بالله عز وجل؛ فهؤلاء لا يحبُّون الله بَتَاتًا،
وإنَّمَا يحبُّون أَهْوَاءَهُمْ وَأَطْمَاعَهُم، وما تَشْتَهِيهِ أَنْفُسُهُم، ولا
يَعْرِفُونَ الله سبحانه وتعالى لا بمحبَّة، ولا بِغَيْرِهَا.