فالمؤمنون مَحَبَّتُهُم خَالِصَةٌ لله، ليس فيها
شِرْكٌ، ولكن المؤمنون يَتَفَاوَتُونَ في محبَّة الله؛ فَبَعْضُهُم أَعْظَمُ
مَحَبَّةً لله مِنْ بَعْضٍ، وَأَكْمَلُ الأمَّة حبًّا لله هم الصَّحَابَةُ رضي
الله عنهم بِدَلِيلِ صِدْقِهِم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناصرته
والصَّبْر معه على ما أصابه؛ فهم الَّذين أيَّدوا الرَّسول صلى الله عليه وسلم في
دَعْوَتِهِ، وفي حُرُوبِهِ، وفي مقاومته للكفَّار والمشركين.
فَقَامَ
الإِسْلامُ على جِهَادِهِم، وعلى صِدْقِهِم، وعلى بَذْلِهِم، وَعَطَائِهِم في سبيل
الله؛ فقد جَادُوا بأنفسهم في سبيل الله، فَصَارُوا يُلاقُون القَتْلَ، ويُلاقُونَ
السِّلاحَ في نُحُورِهِم، يُدَافِعُونَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعَنْ
دِينِ الله عز وجل.
فمحبَّة
الصَّحابة لله عز وجل هي أَبْلَغُ وأشدُّ من محبَّة بقيَّة الأمَّة لله،
فَلِذَلِكَ نَالُوا هذا الفَضْلَ العَظِيمَ، وهذا الشَّرَفَ الكَبِيرَ، وَأَثْنَى
اللهُ عَلَيْهِم، وَرَضِيَ عَنْهُم، وَأَرْضَاهُم، وَمَدَحَهُم، وَوَعَدَهُم
بِجَزِيلِ الثَّواب. فَيَا وَيْلَ من ينتقصهم ويسبُّهم ويكفِّرهم.
إنَّهم
لم يحصلوا على هذا إلاَّ بِثَمَنٍ بَذَلُوه لله عز وجل فالمهاجرون تَرَكُوا
أَوْطَانَهُم وَأَمْوَالَهُم وأولادَهم وخرجوا مهاجرين في الرَّسول صلى الله عليه
وسلم، والأنصار استقبلوا الرَّسول صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ بالفَرَحِ
والسُّرور والاغْتِبَاطِ.
ولهذا
قال سبحانه وتعالى في الفَيْءِ الَّذي يَحْصُلُ عليه المُسْلِمُونَ من أموال
الكفَّار في الجهاد: ﴿لِلۡفُقَرَآءِ
ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ
يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ
أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ﴾
[الحشر: 8]، ثمَّ قال في الأنصار: ﴿وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن
قَبۡلِهِمۡ