ثمَّ إِنَّهُم يَنْتَقِصُونَ الْعُبُودِيَّةَ،
وَيدَّعونَ أَنَّ الْخَاصَّة يتعدُّونها، كَمَا يَدَّعِي النَّصَارَى فِي
الْمَسِيحِ، وَيُثْبِتُونَ للخَاصَّةِ من الْمُشَاركَة فِي الله من جنس مَا تثبته
النَّصَارَى فِي الْمَسِيح وَأمِّه، إِلَى أَنْوَاعٍ أُخَرَ يَطُولُ شَرْحُهَا فِي
هَذَا الْمَوْضِعِ.
****
﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا
مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾، وقال: ﴿وَمَآ
أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ
سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾
[التوبة: 31]. هذا دِينُ النَّصَارَى، ومثله دين الصُّوفيَّة، ودين القبوريَّة.
قوله:
«ثُمَّ إنَّهُمْ يَنْتَقِصُونَ
الْعُبُودِيَّةَ وَيَدَّعُونَ أَنَّ الخاصَّةَ يَتَعَدَّوْنَهَا»: يَزْعُمُونَ
أنَّهم ترقَّوا واستغنوا عن العبوديَّة ووصلوا إلى الله، وليسوا بحاجة إلى حرام
وحلال وإلى نَبِيٍّ؛ لأنَّهم وصلوا إلى الله، ويسمُّون أنفسهم خاصَّة الخاصَّة، أو
العارفين بالله، أو ما أشبه ذلك من ألقابهم؛ فهم لمَّا اعتمدوا على طرق غير صحيحة،
آلَتْ بهم في النِّهَايَةِ إلى أن يتركوا العبادة ويقولوا: نحن وَصَلْنَا إلى الله
وإلى الحقيقة، وَلَسْنَا بحاجة؛ لا إلى نَبِيٍّ، ولا إلى شريعة، وإنَّما الشَّريعة
للعوامِّ الَّذين لم يَصِلُوا إلى الله.
قوله:
«كَمَا يَدَّعِي النَّصَارَى فِي المسِيحِ،
وَيُثْبِتُونَ لِلْخَاصَّةِ مِنْ المْشَارَكَةِ فِي اللهِ مِنْ جِنْسِ مَا
تُثْبِتُهُ النَّصَارَى فِي المسِيحِ وَأُمِّهِ... إلَى َأْنَواعٍ يَطُولُ
شَرْحُهَا فِي هَذَا المْوضِعِ»: النَّصَارَى لا يَعْرِفُونَ إلاَّ المَسِيحَ؛
فلا يَعْرِفُونَ اللهَ، ولا يَذْكُرُونَ اللهَ بِشَيْءٍ، وإنَّمَا يَذْكُرُونَ
المسيح، ويعتقدون أنَّه المخلِّصُ، وأنَّه الرَّبُّ، ويردِّدون في إذاعاتهم: كلمة
الرَّبِّ يسوع، أو الابن.
الصفحة 3 / 397