وَهُوَ تَحْقِيقُ محبَّة الله بِكُلِّ دَرَجَة،
وبقدر تَكْمِيل الْعُبُودِيَّة تَكْمُلُ محبَّة العَبْد لرَبِّه، وتكمل محبَّة
الرَّبِّ لعَبْدِهِ،
****
قوله:
«وِهُوَ تَحْقِيق مَحَّبة الله بِكُل
دَرَجَة»: أَسَاسُ العبادة محبَّة الله جل وعلا المَحَبَّةَ الخالصة بكلِّ
أنواع المحبَّة؛ لا يحبُّه ويحبُّ معه غيره؛ وإنَّما يُحِبُّ الله وَحْدَهُ،
وَيُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُ الله، وَيُحِبُّ ما يحبُّه الله، تبعًا لمحبَّة الله
سبحانه وتعالى فالعبادة أَسَاسُهَا على المحبَّة؛ قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ
مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة: 165]؛ فالمحبَّة هي أعظم أنواع العبادة، وهي
أساسها؛ فليس هناك عبادة دُونَ مَحَبَّةٍ للمعبود؛ لا بُدَّ أن تكون العبادة
مبنيَّة على محبَّة المعبود، سواء كان المَعْبُودُ حقًّا، أو باطلاً؛ فما مِنْ
أَحَدٍ يعبد شيئًا إلاَّ وهو يحبُّه، ولو لم يحبَّه، لَمَا عَبَدَهُ.
قوله:
«وَبِقَدرِ تَكْمِيلِ الْعُبُودِيَّةِ
تَكْمُلُ مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَتَكمل مَحَبَّةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ»:
أي: كلَّما كانت المحبَّة لله، كملت العبوديَّة له، وكلَّما نقصت المحبَّة لله في
قلب العبد، نقصت عبوديَّته لله؛ فالمحبَّة هي الأساس، ولكن ليست هي العبادة
وَحْدَهَا كما تقوله الصُّوفيَّة، وإنَّما معها الخوف والرَّجاء، ومعها
أنواع العبادة كلُّها، وهي أساسها كما قال ابن القيِّم رحمه الله في النُّونيَّة:
وَعِبَادَةُ الرَّحْمَنِ غَايَةُ حُبِّهِ **** مَعَ
ذُلِّ عَابِدِهِ هُمَا قُطْبَانِ
وَعَلَيْهِمَا فَلَكُ العِبَادَةِ دَائِرَة **** مَا
دَارَ حَتَّى قَامَتِ القُطْبَانِ
وَمَدَارُهُ بِالأَمْرِ أَمْرُ رَسُولِهِ **** لا
بِالهَوَى وَالنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ
فَالعِبَادَةُ
تَدُورُ عَلَى كَمَالِ الحُبِّ، مع كمال الذُّلِّ للمحبوب.
الصفحة 3 / 397