فيتَّخذ إِلَهَهُ هَوَاهُ، وَيَتَّبِعُ هَوَاهُ
بِغَيْر هُدىً مِنَ الله. وَمن لَمْ يَكُنْ خَالِصًا لله عَبْدًا لَهُ قَدْ صَارَ
قَلْبُهُ مُعَبَّدًا لرَبِّه وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، بِحَيْثُ يكون اللهُ
أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَيَكُونُ ذَلِيلاً لَهُ خَاضِعًا،
وَإِلاَّ اسْتَعْبَدَتْهُ الكائنات، واستولت على قَلْبِهِ الشَّيَاطِينُ، فَكَانَ
من الغاوين إخْوَان الشَّيَاطِين، وَصَارَ فِيهِ مِنَ السُّوءِ والفَحْشَاءِ مَا
لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ، وَهَذَا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لاَ حِيلَةَ فِيهِ.
****
وَكَيْفَ يَكُونُ عَبْدًا لهذه الأشياء؟ إذا
آَثَرَ الدِّينَارَ والدِّرْهَمَ على دِينِهِ، بَاعَ دِينَهُ بِعَرَضٍ من
الدُّنيا.
قوله: «فَيَتَّخِذَ إلهَهُ هَوَاهُ وَيَتَّبعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدى مِنْ اللهِ»:
قال تعالى: ﴿وَمَنۡ
أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ﴾ [القصص: 50].
قوله:
«وَإِلاَّ اسْتَعْبَدَتْهُ الْكَائِنَاتُ،
وَاسْتَوْلَتْ عَلَى قَلْبِهِ الشَّياطِينُ»: مَنْ لم يَكُنْ عَبْدًا لله،
صَارَ عَبْدًا لِهَوَاهُ، وَصَارَ عَبْدًا للشَّيْطَانِ، وَعَبْدًا لِشَهَوَاتِهِ؛
فالإِنْسَانُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لله، وإمَّا أن يَكُونَ عَبْدًا
لِغَيْرِهِ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إلاَّ عبدًا.
فَمَنْ
تَرَكَ عُبُودِيَّةَ الله، ابتلاه الله بعبوديَّة غَيْرِهِ والعِيَاذُ بالله؛
ولهذا لمَّا تَرَكَ المشركون عبوديَّة الله، ابْتُلُوا بِعِبَادَةِ الأصنام
والأشجار والأحجار والجمادات.
يَقُولُ
ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله:
هَرَبُوا مِنَ الرِّقِّ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ **** فَبُلُوا
بِرِقِّ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ
والرِّقُّ
هُوَ العُبُودِيَّةُ؛ فَأَنْتَ مَخْلُوقٌ لعبوديَّة الله، فإذا تركتها، صِرْتَ
عَبْدًا لِغَيْرِ الله، وَلا بُدَّ أَنَّكَ عَبْدٌ مَهْمَا قُلْتَ إِنَّك حُرٌّ؛
فأنت عَبْدٌ مُسْتَعْبَدٌ لله أو لِغَيْرِهِ.
الصفحة 4 / 397