وَتارَةً يَجْتَذِبُهُ الشَّرَفُ والرِّئَاسَةُ؛
فَتُرْضِيهِ الْكَلِمَةُ، وَتُغْضِبُهُ الْكَلِمَةُ، وَيَسْتَعْبِدُهُ مَنْ
يُثْنِي عَلَيْهِ، وَلَو بِالْبَاطِلِ، وَيُعَادِي مَنْ يَذُمُّهُ وَلَوْ
بِالْحَقِّ، وَتارَةً يَسْتَعْبِدُهُ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ وَأَمْثَالُ ذَلِك
مِنَ الأُْمُورِ الَّتِي تَسْتَعْبِدُ الْقُلُوبَ، وَالقُلُوبُ تَهْوَاهَا،
****
قوله:
«وتارة يجتذبه الشَّرف والرِّئاسة»:
يَجْتَذِبُهُ حُبُّ الشَّرف والرِّئاسة؛ فَيطلُبُهُمَا بِأَيِّ ثَمَنٍ، ولو على
حِسَابِ دِينِهِ.
قوله:
«فَتُرْضِيهِ الْكَلِمَةُ وَتغْضِبُهُ
الْكَلِمَةُ وَيَسْتَعْبِدُهُ مَنْ يُثْنِي عَلَيْهِ وَلَوْ بَالْبَاطِلِ،
وَيُعادِي مَنْ يَذُمُّهُ وَلَوْ بِالحقِّ»: مِنْ خَطَرِ الحِرْصِ عَلَى
الشَّرَفِ والرِّئاسة أَنْ يُعْجَبَ الإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ إذا مَدَحَهُ أَحَدٌ
بالباطل، وَيَغْضَبَ على من يذمُّه بالحقِّ؛ لأنَّه يريد الرِّئاسة والشَّرَفَ،
وَيُعْجِبُهُ المَدْحُ ولو بالبَاطِلِ، ويغمُّه التَّنَقُّصُ ولو بِحَقٍّ.
فَهَذَا
دَلِيلٌ على أنَّه يُرِيدُ الشَّرَفَ والرِّئَاسَةَ بِأَيِّ ثَمَنٍ؛ أَمَّا الَّذي
لا يُرِيدُ الشَّرَفَ والرِّئَاسَةَ، فإنَّه يَكْرَهُ المَدْحَ؛ لِقَوْلِهِ
صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ
المدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ» ([1])؛
فلا يَقْبَلُ المَدْحَ؛ لأنَّ المَدْحَ يَجْعَلُهُ يَطْغَى، وَيَغْتَرُّ
بِنَفْسِهِ، والَّذي يريد الحَقَّ يَفْرَحُ بالنَّصِيحَةِ، وَيَفْرَحُ
بالتَّنْبِيهِ على الخطأ، ولهذا يَقُولُ عمر بن الخطَّاب: «رَحِمَ اللهُ امْرَءًا أَهْدَى إلى عُمَرَ عُيُوبَهُ»؛ فَاعْتَبَرَ
مَنْ بَيَّنَ لَهُ الخَطَأَ كَمَنْ قدَّم له هديَّة.
قوله: «وَتَارَةً يَسْتَعْبِدُهُ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الأُْمُورِ الَّتِي تَسْتَعْبِدُ الْقُلُوبَ، وَالْقُلُوبُ تَهْوَاهَا»: كما سبق قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الخمِيصَةِ»؛ تَعِسَ؛ أَيْ: هَلَكَ.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (3002).