قوله تعالى:
﴿فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ﴾
يَقُولُهُ اللهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وهو أَمْرٌ
لجميع الأمَّة. أَقِمْ وَجْهَكَ: أي: أَخْلِصْ نِيَّتَكَ وَقَصْدَكَ لله، وَتِلْكَ
هِيَ الحنيفيَّة.
فَمَعْنَى
قوله: ﴿فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ﴾
أي: أَخْلِصْ عَمَلَكَ، واتِّجَاهَكَ، وَمَقْصُودَكَ ﴿حَنِيفٗاۚ﴾
أي: مُقْبِلاً على الله، مُعْرِضًا عمَّا سِوَاهُ.
﴿فِطۡرَتَ
ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ﴾؛
وَهِيَ دِينُ الإسلام، وَدِينُ الفِطْرَةِ الَّتي ﴿فَطَرَ
ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ﴾؛ أي: خَلَقَهُمْ عَلَيْهَا. ولهذا
قال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَوْلُودٍ
يُولَدُ عَلَى الْفِطْرِةِ، فَأَبَواهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ
يُمَجِّسَانِهِ» ([1])؛
فَأَصْلُ الإنسان على الفِطْرَةِ السَّليمة. هكذا خَلَقَهُ الله، غَيْرَ أنَّه
ينحرف بالتَّربية السَّيِّئة ودُعَاةِ السُّوء؛ فتُغَيَّرُ الفِطْرَةُ بِسَبَبِ
سُوءِ التَّرْبِيَةِ.
﴿لَا
تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ﴾؛ لَمْ يَقُلْ: لا تَبْدِيلَ
لِمَخْلُوقِ الله؛ فالمخلوق يُغَيِّرُ وَيُبَدِّلُ، ولكن خَلْقُ الله سبحانه
وتعالى لا أَحَدَ يُغَيِّرُه؛ فالأَصْلُ أنَّه على الفِطْرَةِ السَّليمة؛ لا
أَحَدَ يَجْعَلُهُ على غَيْرِهَا عِنْدَ إِيجَادِهِ، ولكن يَحْصُلُ التَّغَيُّرُ
إِنْ طَرَأَ تَغْيِيرٌ فيما بَعْدُ. فَذَلِكَ عَلَى يَدِ أَهْلِ الضَّلال.
ثمَّ قَالَ: ﴿ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ﴾؛ أَيِ: الفِطْرَةُ هي الدِّين القَيِّم، ﴿وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ هذه الحقيقة، ثمَّ قال: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ﴾؛ أي: حِينَ يَحْصُلُ الخطأ من الإنسان، فإنَّه يُنيب إلى الله عز وجل وَمَنْ كَانَتْ فِطْرَتُهُ سَلِيمَةً، يُنِيبُ إلى الله، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ إذا أَخْطَأَ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1385)، ومسلم رقم (2658).