×
شرح كتاب العبودية

ثمَّ فِي آخِرِ الأَْمْرِ لاَ يميِّزون بَيْنَ الْخَالِق والمَخْلُوقِ، بل يَجْعَلُونَ وُجُودَ هَذَا وُجُودَ هَذَا، وَيَقُولُ محقِّقوهم: الشَّرِيعَةُ فِيهَا طَاعَة وَمَعْصِيَةٌ. وَالحَقِيقَةُ فِيهَا مَعْصِيَةٌ بِلاَ طَاعَة، وَالتَّحْقِيقُ لَيْسَ فِيهِ طَاعَة وَلاَ مَعْصِية، وَهَذَا تَحْقِيق مَذْهَبِ فِرْعَوْنِ وَقَومِهِ الَّذين أَنْكَرُوا الْخَالِقَ، وَأَنْكَرُوا تَكْلِيمَهُ لِعَبْدِهِ مُوسَى، وَمَا أرْسَلَهُ بِهِ مِنَ الأَْمْرِ وَالنَّهْي.

****

وَأَهْلُ الضَّلالِ لا يفرِّقون بينهما، وَيَقُولُونَ: كُلُّ مَا قَدَّرَهُ فَهُوَ يُحِبُّهُ؛ فلا يفرِّقون بين ما يَشْرَعُهُ الله، وما يُقَدِّرُهُ الله. وَهَذَا هو الضَّلال والعِيَاذُ بالله؛ لأنَّهم «يَنْظُرُونَ إلَى المشِيئَةِ المُطْلَقَةِ الشَّامِلَةِ» وَيَقُولُونَ: كُلُّ مَا شَاءَهُ الله فَهُوَ يُحِبُّهُ.

فَهُمْ إِذَا كَفَرُوا، عَصُوا الشَّرْعَ،وَأَطَاعُوا القَضَاءَ وَالقَدَرَ بِزَعْمِهِم، واللهُ يُحِبُّ منهم ذلك؛ تَعَالَى الله عمَّا يقولون؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٢٨قُلۡ أَمَرَ رَبِّي بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَۚ كَمَا بَدَأَكُمۡ تَعُودُونَ ٢٩ [الأعراف: 28- 29]؛ فالَّذِي أَمَرَ اللهُ به هو الَّذي يَرْضَاهُ الله سبحانه وتعالى وَيُحِبُّهُ.

قوله: «ثُمَّ فِي آخِرِ الأَْمْرِ لاَ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الخالِقِ وَالمخْلُوقِ، بَلْ يَجْعَلُونَ وُجُودَ هَذَا وُجُودَ هَذَا»: أَيْ: يَنْتَهِي بهم عَدَمُ التَّفريق بَيْنَ القَدَرِ والشَّرع إلى القَوْلِ بِوَحْدَةِ الوجود، فيَقُولُونَ: الكَوْنُ لَيْسَ فيه انْقِسَامٌ؛ كُلُّهُ هو الله؛ فليس هناك مَخْلُوقٌ وَخَالِقٌ، ولا عَبْدٌ وَرَبٌّ؛ الكُلُّ شَيْءٌ وَاحِدٌ هو الله، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُونَ.


الشرح