×
شرح كتاب العبودية

ثمَّ إِنَّ النُّحَاةَ اصْطَلحُوا على أَنَّ هَذَا الْمُسَمَّى فِي الَّلُّغَةِ بالحرفِ يُسمَّى كلمةً، وَأَنَّ لفْظَ الْحَرْفِ يخُصُّ لما جَاءَ لِمَعْنًى، لَيْسَ باسمٍ وَلاَ فعلٍ، كحروفِ الْجَرِّ وَنَحْوِهَا، وَأمَّا أَلْفَاظَ حُرُوفِ الهجاءِ فيُعبَّرُ تَارَة بالحرفِ عَن نفسِ الْحَرْفِ من اللَّفْظِ، وَتارَةً باسمِ ذَلِك الْحَرْفِ، وَلما غَلَبَ هَذَا الاِصْطِلاَحَ صَار يتَوَهَّمُ مَنِ اعتادَه أَنَّه هَكَذَا فِي لُغَة الْعَرَب، ومنهم من يَجْعَل لفظَ الْكَلِمَةِ فِي اللُّغَةِ لفظًا مُشْتَركًا بَينَ الاِسْمِ مثلاً وَبَينَ الْجُمْلَةِ، وَلاَ يُعرَفُ فِي صَرِيحِ اللُّغَةِ منْ لفظِ الْكَلِمَةِ إِلاَّ الْجُمْلَةُ التَّامَّةُ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي ذِكْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ هُوَ ذِكْرُه «بجملةٍ تَامَّةٍ»، وَهُوَ الْمُسَمَّى بالْكلاَم، وَالْوَاحد مِنْهُ بِالْكَلِمَةِ، وَهُوَ الَّذِي ينفَعُ الْقُلُوبَ، وَيحصُلُ بِهِ الثَّوَابُ وَالأَْجْرُ، والقُرْبُ إلى اللهِ ومعرفتُه ومحبَّتُه وخشيتُه، وَغيرُ ذَلِك منَ المطالبِ الْعَالِيَةِ، والمقاصدِ الساميةِ. وَأمَّا الاِقْتِصَارُ على «الاِسْم الْمُفْردِ» مُظْهَرًا أَو مُضمرًا فَلاَ أصْلَ لَهُ، فضْلاً عَن أَن يكونَ من ذِكْرِ الْخَاصَّةِ والعارفينَ، بل هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى أَنْوَاعٍ من الْبدَعِ والضَّلالاتِ وذريعةٌ إِلَى تصوُّراتٍ وأحوالٍ فَاسِدَةٍ من أَحْوَال أهلِ الإِْلْحَادِ، وَأهلِ الاِتِّحَادِ، كَمَا قد بُسِطَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي غيرِ هَذَا الْموضعِ.

****

هذا استطرادٌ من الشيخِ يريدُ أنْ يرد على أهْلِ الضَّلالِ الَّذين يَقولُون: إنَّ الذِّكْرَ يكونُ بالاسمِ المفردِ، أو بضميرٍ منفصلٍ هو.

قوله: «وَالمقْصُودُ هُنَا أَنَّ المشْرُوعَ فِي ذِكْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ هُوَ ذِكْرُهُ «بِجُمْلَةِ تَامَّةٍ»: هذه هي النتيجةُ منْ كل ما سبَقَ، فالذِّكْرُ يكونُ بالجُمَلِ التَّامَّةِ لا بالاسمِ فقط، ولا بضميرٍ منفصلٍ.


الشرح