فَصْلٌ: فِي تَيْسِيرِ السَّيْرِ إلى اللهِ عَلَى
المُثْبِتِينَ
المُوَحِّدِينَ
وامْتِنَاعِهِ عَلَى المُعَطِّلِينَ
وَالمُشْرِكِينَ
****
يَا
قَاعِدًا سَارَتْ بِهِ أَنْفَاسُهُ **** سَيْرَ الْبَرِيدِ وَلَيْسَ بِالذَّمَلاَنِ
****
السَّيْرُ إلى اللهِ تعالى سهْلٌ على مَنْ
وفَّقَهم اللهُ، وهُم أهلُ التَّوحيدِ، والسَّيْرُ المرادُ به: طريقُ العِبادةِ
فهو سيرٌ معنَوِيٌّ مِن صلاةٍ وصيامٍ وجهادٍ في سبيلِ الله وأعمال صالِحَةٍ بعد
معرِفَتِهم لربِّهمْ وأسمائِهِ وصفاتِهِ التي تَحثُّهم على ذلك، وتُحَبِّبُهم إليه،
فإنَّ الأسماءَ والصفاتِ تُحبِّبُ العَبْدَ إلى ربِّهِ، وتُرغِّبُهُ في السَّيْرِ
إليهِ، وأمَّا أهلُ الضَّلالِ، فعِندَهُم أنَّ إثباتَ الأسماءِ والصفاتِ من
التَّشْبِيهِ، فلا يَعرِفُونَ ربَّهُم، وبالتالي فلا يسيرونَ إليه؛ لأنَّهم لمَّا
عطَّلُوهُ عنِ الأسماءِ والصفاتِ صارُوا لا يعرِفُونَه.
كُلُّ إنسانٍ فإنَّهُ يسِيرُ إلى اللهِ سبحانه وتعالى: إمَّا أنْ يَسِيرَ إلى اللهِ بالعملِ الصَّالِح والجِدِّ في طاعةِ الله عز وجل، وهذا هو السَّيْرُ المُفيد، فإنْ لم يَسِرْ إلى اللهِ بالعملِ الصالحِ والجِدّ في طاعَتِهِ سارَتْ به أنفاسُهُ وأيَّامُهُ حتى تُوصِلَهُ إلى اللهِ، وهو على غيْرِ استعدادٍ، فأنفاسُهُ معدُودةٌ، إذا انتهتِ الأنفاسُ انتهَتِ الحياةُ، فأنتَ سائِرٌ إلى اللهِ، وإن لمْ تَسِرْ باختيارِكَ فأنتَ يُسارُ بكَ، تسيرُ بكَ الأيامُ والليالي والأنفاسُ فأنتَ سائِرٌ إلى اللهِ إمَّا برغبةٍ أو بغيرِ رغبةٍ، ومعروفٌ أنَّ البريدَ يُسرِعُ بالأخبارِ والرسائل، فأَسْرَعُ الرُّكْبانِ هُو البريدُ لتوصيلِ الرَّسائلِ والأُمورِ المُهِمَّةِ، فأيامُكَ تسيرُ بكَ سيْرَ البريدِ سَيْرًا حَثِيثًا، وليسَ بالذَّمَلانِ: وهو السَّيْرُ البَطِيءُ.
الصفحة 1 / 495