×
التعليق المختصر على القصيدة النونية الجزء الثالث

فَصلٌ: فِي تَعيُّن الهِجْرة مِن الآرَاء

والبِدَع إِلَى سُنَّته كمَا كانَتْ فَرضًا

مِن الأمْصَار إلَى بَلدَتِه عليه السلام

****

 الهِجْرة في اللُّغَة: مَأخُوذةٌ مِن الهَجْر وَهُو التَّرك، يُقال: هَجَرَ الشَّيءَ إِذا تَركَه قَالَ تعَالى: ﴿وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ [المدثر: 5]، فالرُّجزُ: الأَصْنام، وهَجْرُها: تركُها، ومِنْه: الكَلام الهُجْر: وهُو القَبِيحُ، سُمِّي هُجْرًا لأنَّه مَهْجور ومَتروكٌ، وسُمِّيت الهِجْرة هِجْرةً لأنَّ المُنتقَل عَنه يَكونُ مَتروكًا.

·       والهِجرَة في الشَّرع عَلى نَوعَين:

النَّوع الأوَّلُ: هِجْرةٌ لِلأبْدَان.

النَّوع الثَّاني: هِجْرةٌ لِلقلُوبِ.

فَهِجرَة الأبْدَان: هِي الانْتِقَال مِن بَلدِ الكُفرِ إِلى بَلدِ الإسْلاَم فِرارًا بِالدِّين، وَهَذه هِي التِي جَاء ذِكرُها فِي القُرآنِ وأثْنَى اللهُ عَلى أَهْلها؛ حَيثُ أثْنَى علَى المُهَاجِرين الذِينَ تَركُوا دِيَارَهم وأمْوَالَهم فِرارًا بِالدِّين.

ومِنْ ذَلك الانْتِقَال مِن بَلدٍ فِيه كفرٌ وشرٌّ وضَلال إِلى بَلدٍ أقلَّ مِنْه شرًّا، ولَو كَان هذَا البَلد بَلد كُفرٍ، كَمَا هَاجر الصَّحابَة إِلَى الحَبَشة الهِجْرَة الأُولَى.

فالحَبشَة بِلادُ كُفرٍ ولَكِنَّ المُسلِمين يَأمَنُون عَلى دِينِهم فِيهَا عِندَ مَلِكِها النَّجاشِي؛ حَيثُ كَان رَجُلاً عَادلاً لا يُظلَمُ أحدٌ عِندَه، وَكان نَصْرانيًّا، فَأَمر رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أصْحَابَه بِالهِجْرة لِلحَبَشةِ خَشيةً عَليهِمْ مِن أذَى كُفَّار قُريش.


الشرح