×
التعليق المختصر على القصيدة النونية الجزء الثالث

والهِجْرة مِن بَلدٍ إِلى بَلدٍ فِرارًا بِالدِّين بَاقِية إِلى قِيَام السَّاعَة كَما قَال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» ([1]).

وَقد تَوعَّد اللهُ مَن تَرَكوا الهِجْرَة وَهُم يَقْدِرون عَليهَا مَع أنَّهمْ لاَ يَأمَنُون عَلى دِينِهم، قَالَ تَعَالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ٩٧إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ حِيلَةٗ وَلَا يَهۡتَدُونَ سَبِيلٗا ٩٨ [النساء: 97- 98] الآيَةُ.

وأمَّا قَولُه صلى الله عليه وسلم: «لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» ([2])؛ فَهَذا فِي الهِجْرة مِن مَكَّة خَاصَّة لَمَّا فُتِحَت وَصَارتْ تَحتَ وِلايَة المُسلِمِين؛ فَإنَّ الهِجْرة مِنْها انْتهَت شَرعيَّتُها؛ لأنَّها صَارت تَحتَ وِلايَة المُسْلمينَ، ولَيسَ فِي الحَديثِ دَليلٌ عَلى انْقِطاع الهِجْرة مُطلقًا، وإنَّما هَذا فِي هِجرةٍ خَاصَّة مِن مَكَّة بَعد أنْ صَارتْ بَلَد إِسلام.

فَهَذهِ الهِجْرَة بِالبَدنِ وَهِي تَخضَع للاسْتِطَاعَة وَعَدم الاسْتِطاعَة واخْتِلاف الأحْوَال.

وأما النَّوع الثَّاني: وَهُو هِجْرة القَلبِ إِلى اللهِ وَرَسولهِ، فَهَذه لاَ يُعذرُ أحدٌ فِيها، فَهِي وَاجِبةٌ عَلى كُلِّ مُسلِم وُجُوبًا عَيْنيًّا، أَنْ يُهاجرَ بِقلْبِه، بِالإخْلاَص للهِ تَعَالى والتَّوجُّه إِليهِ وتَركِ الشِّرك والكُفر، والهِجرَة إِلى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِالاتِّبَاع والاقْتِدَاء وتَركِ البْدعِ والمُحدثَات.


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (2479)،والدارمي رقم (2555)، وأحمد رقم (11906).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (2783)، ومسلم رقم (1353).