قول ابن مسعود رضي الله عنه: «خَطَّ
لَنَا رَسُولُ اللَّهِ...». أراد صلى الله عليه وسلم أن يُبين معنى الآية، وهي
قوله تعالى في جملة الوصايا التي أوصى بها عباده ﴿وَأَنَّ
هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ
تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153]، والصراط هو الطريق، وصراط الله مستقيم
ليس فيه ميلان، إنما هو طريق معتدل واضح.
قوله تعالى: ﴿وَلَا
تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ﴾، وهي الطريق الأخرى المخالفة لصراط الله، فدل على أن
لله صراطًا، وللشياطين سبلاً يحاولون أن يصرفوا الناس إليها عن صراط الله عز وجل،
وهذا شيء معروف ومشاهد من دعاة الضلال، يريدون أن يحرفوا الناس عن الصراط المستقيم
مهما كلفهم الأمر حتى ولو بالقتال؛ لأن الشيطان يحرضهم على هذا.
والرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يوضح معنى هذه الآية، فخط خطًّا
مستقيمًا، وخط عن جوانبه خطوطًا، وقال للخط المستقيم: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ». وقال للخطوط التي على الجوانب: «وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ
مِنْهَا شَيْطَانٌ»، سواء من شياطين الإنس أو الجن «يَدْعُو إِلَيْهِ»؛ ليخرج الناس من صراط الله إلى السبل الكثيرة. انظر
كيف أنه سبحانه وحَّد صراطه، فقال: ﴿صِرَٰطِي﴾، وأضافه إلى نفسه،
وعدَّد السبل؛ لأن السبل التي يبتدعها الناس ليس لها حصر ولا نهاية، كلٌّ يبتكر له
طريقة، وكل يبتكر له خطة يسير عليها، وينقطع معه جماعة من الناس، ويتقسم الناس إلى
أحزاب وفئات، أما الذين يسيرون على الصراط المستقيم، فإنهم جماعة واحدة، قال
تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ
وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۧنَ
وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ
رَفِيقٗا﴾ [النساء: 69]، وفي آخر سورة الفاتحة: ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ
٦صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ
٧﴾ [الفاتحة: 6، 7] هذا هو الذي قال الله عنه: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي
مُسۡتَقِيمٗا﴾ [الأنعام: 153].
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد