وَهُمْ - لَوْ كَانَتْ
الْحِكَايَةُ صَحِيحَةً - إنَّمَا يَجِيئُونَ إلَيْهِ لأَِجْلِ طَلَبِ شَفَاعَتِهِ
صلى الله عليه وسلم وَلِهَذَا قَالَ فِي تَمَامِ الْحِكَايَةِ: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ
ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ﴾ الآْيَةَ [النساء: 64]، وَهَؤُلاَءِ إذَا شُرِعَ لَهُمْ
أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ الشَّفَاعَةَ وَالاِسْتِغْفَارَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِذَا
أَجَابَهُمْ فَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ وَاسْتِغْفَارُهُ لَهُمْ دُعَاءٌ
مِنْهُ وَشَفَاعَةٌ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ.
وَإِذَا
كَانَ الاِسْتِشْفَاعُ مِنْهُ طَلَبُ شَفَاعَتِهِ فَإِنَّمَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ:
اسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعْهُ اللَّهُ فِيك، لاَ يُقَالُ: فَيُشَفِّعْك اللَّهُ
فِيهِ. وَهَذَا مَعْرُوفُ الْكَلاَمِ وَلُغَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَأَصْحَابِهِ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ يُقَالُ: شَفَعَ فُلاَنٌ فِي فُلاَنٍ
فَشُفِّعَ فِيهِ. فَالْمُشَفَّعُ الَّذِي يُشَفِّعُهُ الْمَشْفُوعُ إلَيْهِ هُوَ
الشَّفِيعُ الْمُسْتَشْفَعُ بِهِ. لاَ السَّائِلُ الطَّالِبُ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ
يَشْفَعَ لَهُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الَّذِي شَفَعَ فَمُحَمَّدٌ صلى الله
عليه وسلم الشَّفِيعُ الْمُشَفَّعُ لَيْسَ الْمُشَفَّعُ الَّذِي يُسْتَشْفَعُ
بِهِ. وَلِهَذَا يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: يَا رَبِّ شَفِّعْنِي فَيُشَفِّعْهُ اللَّهُ
فَيَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُشَفِّعَهُ لاَ أَنْ يُشَفِّعْ
طَالِبِي شَفَاعَتِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ: وَاسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعْك اللَّهُ
؟!
**********
الشرح
قوله: «إنَّمَا يَجِيئُونَ إلَيْهِ
لأَِجْلِ طَلَبِ شَفَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم ». طلب الدعاء والشفاعة
بمعنى: الدعاء، وهذا جائز في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال في
المنافقين ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ
إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ﴾ هذا في حياته صلى الله عليه
وسلم، ﴿وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ
لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا﴾، فلو أنهم بعد
الجريمة التي حصلت منهم، وهي: أنهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، ويعرضوا عن
الرسول صلى الله عليه وسلم، لو أنهم تابوا، وندموا من فعلتهم، وجاؤوا إلى الرسول
يطلبون منه الاستغفار، كما يطلبون منه الدعاء بالغيث وحاجاتهم، فهذا أمر لا بأس
به، وقوله: ﴿جَآءُوكَ﴾ أي: في حياته صلى
الله عليه وسلم.