×
شرح كتاب العبودية

فَالدِّينُ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي صُورَةِ أَعْرَابيَّ وَسَأَلَه عَنْ الإِْسْلاَمِ قَالَ: «أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِيَ الزَكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبيلاً». قَالَ: فَمَا الإِْيَمان؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ باَللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوتِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». قَالَ فَمَا الإِْحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك»، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» ([1]) فَجَعَلَ هَذَا كُلَّهُ مِنَ الدِّينِ. وَ«الدِّينُ» يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ. يُقَالُ: دِنْته فَدَانَ أَيْ: ذلَّلْته فَذَلَّ وَيُقَالُ يَدِينُ اللهَ وَيَدِينُ للهِ أَيْ: يَعْبُدُ اللهَ وَيُطِيعُهُ وَيَخْضَعُ لَهْ فَدِينُ اللهِ عِبَادَتُهُ وَطَاعَتُهُ وَالْخُضُوعُ لَهُ.

****

 أن تأتوا بسورةٍ واحدةٍ مثلِ هذا القرآن، ﴿وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ أي: ادعوا من يشهدُ لكم أنَّ هذه السورةَ التي جئتم بها تُشبِهُ القرآن، فلمَّا لم يَقدِروا على شيءٍ من ذلك، دَلَّ على أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ مُنزَّلٌ غيرُ مَخلوق، والشاهدُ في قولِه تعالى: ﴿مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهذا في مقامِ التحدي والتعجيزِ للمشركين، ومع هذا لم يَخرُجْ صلى الله عليه وسلم عن حَدِّ العبوديةِ للهِ سبحانه وتعالى.

قوله: «فَالدِّينُ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ»: أي: دينُ اللهِ جل وعلا كلُّه داخلٌ في العبادة، فالعبادةُ والدِّينُ بمعنى واحد، فالدِّينُ كلُّه عِبادة، والعبادةُ كلُّها دِين.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (50)، ومسلم رقم (8).