إِلاَّ أَنا فَإِنِّي انفتَحتْ لي فِيهِ روزنةٌ
فنازعتْ أقدارَ الْحَقِّ بِالْحَقِّ للحَق؛ وَالرجل من يكونُ منازعًا للقدَرِ لاَ
من يكونُ مُوَافِقا للقَدَر.
****
وقوله:
«إلا أنا فإني انفتحتْ لي فيه روزنةٌ
فنازعتْ أقدارَ الحَقِّ بالحَقِّ للحق؛ والرجلُ من يكونُ منازعًا للقدَرِ لا من
يكونُ موافقًا للقدَر»: الروزنة: الكُوَّة، ومعنى كلامِ عبدِ القادرِ رحمه
الله أنَّه لم يقِفْ عندَ القضاءِ والقَدَر، وإنَّما أخذَ بالأمرِ والشَّرع،
وعالجَ القضاءَ والقدرَ بالقضاءِ والقدَرِ أيضًا؛ لأنَّ فِعلَ الطاعةِ من قضاءِ
اللهِ وقدَرِه، فكيفَ يأخذُ بعضَ القضاءِ والقدَرِ ويتركُ البعضَ الآخر، فكُلُّ
شيءٍ قدَّرَه اللهُ عز وجل، الطاعةُ والمعصيةُ والإيمانُ والكفر، كلُّه بقدَرِ
اللهِ عز وجل، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ٥وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ
٦فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ ٧وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ ٨وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ
٩فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ ١٠﴾
[الليل: 5- 10]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اعمَلُوا فَكُلٌ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» ([1])
لما قال الصحابة: «فِيمَ العملُ وقد
قُدِّرَ علينا السعادةُ والشقاوة». وقولُ عبدِ القادرِ كقولِ عمر رضي الله عنه:
«نفِرُّ مِن قَدرِ اللهِ إلى قدَرِ الله».
فالناسُ
على أقسام:
من الناسِ من يُقِرُّ بتوحيدِ الربوبيةِ ويقِفُ عندَه وهو أنَّ اللهَ هو الخالقُ الرازقُ المُحِيي المُمِيت المُدَبِّر المُقدِّر للمَقَادير، فإذا اعتقدَ هذا عندَهم فهو المُوحِّد، وهذا ما يُسمُّونه بـ «شهود الحقيقة»: وعندَهم لا حاجةَ إلى الشريعةِ من الأَوَامرِ والنَّواهي والعِبادة، وهؤلاء هم غُلاَةُ الصُّوفيةِ وعلماءُ الكلامِ والمَنْطِق.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4949)، ومسلم رقم (2647).