فلا
يُحتَّجُ عليها بالقضاءِ والقَدَر، بل يتوبُ إلى اللهِ ويستغفرُ اللهَ عز وجل.
لأنَّ العبدَ فعَلَها باختيارِه ومشيئتِه.
فالمشركون
كمَا أخبرَ اللهُ عنَهم لمَّا نَهتْهُم الرُّسلُ عن الشِّركِ باللهِ والكفرِ
والمعاصي احتَجُّوا بالقَدَر، وقالوا: ﴿لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا
وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ﴾
[الأنعام: 148]. فهو راضٍ عنَّا في ذلك، واللهُ تعالى رَدَّ عليهم في هذا فقال: ﴿قُلۡ هَلۡ
عِندَكُم مِّنۡ عِلۡمٖ فَتُخۡرِجُوهُ لَنَآۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ
وَإِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَخۡرُصُونَ﴾
[الأنعام: 148] أي: ليس عندَكم برهانٌ على أنَّ اللهَ رضِي فعلَكم هذا وإنَّما
تَتَّبِعون الظَنَّ والخرصَ بل البُرهانُ والدليلُ يدُلُّ على أنَّ اللهَ حرَّم
الشِّركَ والمعاصي ولم يرْضَ بِهما. فلو كان في القضاءِ والقدَرِ حُجَّةٌ لكُم
لمَا بعَثَ اللهُ الرُّسلَ تَنهَى عن الشِّركِ والمعاصي، فاللهُ بعثَ الرُّسلَ
بذلك، قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ
بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ﴾ [النحل: 36]، فهذا دليلٌ على أنَّه لا حُجَّةَ لهم فيما
قالوا، فلماذَا يأخذون جَانبًا يُوافِقُ أهواءَهم وهو القضاءُ والقدَر، ويتركونَ
الجانِبَ الآخَرَ الذي يُخالِفُ أهواءَهم، وهو الأمرُ والنهيُ والشريعةُ وقدرتُهم
واستطاعتُهم على الفِعلِ والتَّرْك، فهم تَركُوا ما أُمِرُوا به اختيارًا منهم لا
اضطرارًا ولا إكراهًا.
ولذلك فإنَّ أهلَ الإيمانِ جمَعوا بين الأمرين: فآمنُوا بقضاءِ اللهِ وقدَرِه، وآمنُوا بشرْعِه، وفعَلُوا الطاعاتِ وتركُوا المعاصي والمُحَرَّمات، فجَمَعُوا بينَ هذا وذاك ولم يحصُلْ منهم تَناقُضٌ ولا اضْطِرابٌ كما حصَلَ عندَ هؤلاء. ومما احْتَجَّ به هؤلاء الجَبْرية قولُهم: ﴿أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ