ويَستحِل الفُروجَ، وَيُهْلك الحَرْثَ والنَّسل،
وَنَحْو ذَلِك من أَنْوَاع الضَّرَر التي لاَ قِوام للنَّاس بهَا أَن يدْفع هَذَا
القدَر؛ وَأَن يُعَاقب الظَّالِم بِمَا يكف عدوانه وعدوان أَمْثَاله. فَيُقَال
لَهُ: إِن كَانَ القدر حجَّة فدع كل أحد يفعل مَا يَشَاء بك وبغيرك، وَإِن لم يكن
حجَّة بَطل أصل قَوْلك: حجَّة.
وَأَصْحَاب هَذَا
القَوْل «الذين» يحتجون بِالحَقِيقَةِ الكونية لاَ يطردون هَذَا القَوْل وَلاَ
يلتزمونه، وَإِنَّمَا هم بِحَسَب آرَائِهم وأهْوَائِهم؛ كَمَا قَالَ فيهم بعض
العلمَاء: أَنْت عِنْد الطَّاعَة قدَري وَعند المعْصِيَة جَبْري؛ أيُّ مَذْهَب
وَافق هَوَاك تمذهبت بِهِ.
وَمِنْهُم «صِنف» يدَّعون التَّحْقِيق والمعرفة، فيزعمون
أَن الأَمر وَالنَّهْي لاَزم لمن شهد لنَفسِهِ فِعلاً وَأثبت لَهُ صنعًا؛ أما من
شَهد أَن أَفعاله مخلوقة؛ أَو أَنه مجبور على ذَلِك؛ وَأَن الله هُوَ المُتَصَرف
فِيهِ، كَمَا تحَرك سَائِر المتحركات؛ فَإِنَّهُ يرْتَفع عَنهُ الأَمر وَالنَّهْي
والوعد والوعيد. وَقد يَقُولُونَ: من شهد «الإِرَادَة» سقط عَنهُ التَّكْلِيف،
ويزعم أحدهم أَن الخضر سقط عَنهُ التَّكْلِيف لشهوده الإِرَادَة، فَهَؤُلاَءِ لا
يفرقون بَين العَامَّة والخاصة الذين شهدُوا الحَقِيقَة الكونية فَشَهِدُوا أَن
الله خَالق أَفعَال العباد وَأَنه يدبر لجَمِيع الكائنات، وَقد يفرقون بَين من
يعلم ذَلِك علمًا وَبَين من يرَاهُ شُهُودًا، فَلاَ يسقطون التَّكْلِيف عَمَّن
يُؤمن بذلك ويعلمه فَقَط، وَلَكِن عَمَّن يشهده فَلاَ يرى لنَفسِهِ فعلاً أصلاً،
وَهَؤُلاَء لا يجْعَلُونَ الجَبْر وَإِثْبَات القدر مَانِعًا من التَّكْلِيف على
هَذَا الوَجْه.