×
شرح كتاب العبودية

وكلُّ ذَلِك مِن العِبَادَة، فَهذا حَال المُؤمنينَ بِاللهِ وَرسولِه العَابدين للهِ. وكُل ذَلك منَ العِبادة. وَهَؤُلاَء الذِين يشْهدُونَ «الحَقِيقَة الكونية»، وَهِي ربُوبيته تَعَالَى لكل شَيْء، ويجعلون ذَلِك مَانِعًا من اتِّبَاع أمرِه الدِّيني الشَّرْعِيِّ عَلى مَرَاتِب فِي الضلال؛ فَغُلاتُهم يجْعَلُونَ ذَلِك مُطلقًا عَامًّا، فَيحتَجُّون بِالقدرِ فِي كل مَا يخالفون فِيهِ الشَّرِيعَة.

وَقَول هَؤُلاَءِ شَرٌّ من قَول اليَهُود وَالنَّصَارَى، وَهُوَ من جِنس قَول المُشْركين الذين قَالُوا: ﴿سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ [الأنعام: 148]. وَقَالُوا: ﴿لَوۡ شَآءَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَا عَبَدۡنَٰهُمۗ [الزخرف: 20]. وَهَؤُلاَء من أعظم أهل الأَرْض تناقضًا؛ بلْ كُلُّ من احْتجَّ بِالقدرِ فَإِنَّهُ متناقض، فَإِنَّهُ لاَ يُمكن أَن يُقَرَّ كل آدَمِيّ على مَا فعل؛ فَلاَ بُدَّ إِذا ظلمه ظَالِم، أَو ظلم النَّاس ظَالِم، وسعى فِي الأَرْض بِالفَسَادِ وَأخذ يسفك دِمَاء النَّاس،

****

قولُهُ: «وَهَؤلاءِ الذِينَ يَشهَدُون «الحَقِيقَة الكَونِيَّة»»، يُؤمنُون بِتوحِيدِ الرُّبوبِيَّة فقَطْ وَيُنكِرونَ الشَّريعَة، لاَ يَحتَجُّون بِالقدَر فِي كُلِّ شَيء يُخالِفونَ فِيه الشَّريعَة، فَهُم يَختلِفُون عَن الاتِّحَاديَّة الذِين جَعَلوا الخَالقَ وَالمَخلوقَ سَواء، وَكلُّ الأفْعالِ مِن الكُفر والإيمَان سَواءً لأِنَّها مُقدَّرة.

«هَؤلاءِ مِن أعْظَم أهْلِ الأرْضِ تنَاقُضًا»؛لأنَّهم لا يَستَطِيعون أنْ يَحتَجُّوا بِالقدَر فِي كلِّ شَيء، بَل هُم يَحتجُّون بهِ فِي أمُورِ الدِّين.

فإِذَا تَركُوا الوَاجباتِ احْتَجُّوا بالقَدر، وَإذا فَعَلوا المُحرَّمات احتَجُّوا بالقَدَر، ولكِن فِي أمُور دُنياهُم لا يَحتجُّون بالقَدر،


الشرح