×
شرح كتاب العبودية

 يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» ([1]).

فَجهَادُ أَهل الكُفرِ بِالسِّلاح؛ لأنَّه لَو تَرك الكُفَّار وَلم يُقاتِلوا لَتسلَّطُوا عَلى المُسلِمِين، وَنشَروا الكُفرَ وَدعَوا إِليهِ، وَصدُّوا عَن سَبيلِ اللهِ، فَلا بُد مِن جِهادهِم لكَفِّ شَرِّهم عَن الإسْلاَم وَالمُسلِمِينَ، فَلو تَركْنَاهُم مَا تَركُونا، كَما هُوَ مُشاهَد الآنَ مِن فِعل الكُفَّار بِالمُسلِمين، فَلا بُدَّ مِن جِهَادهم مَع الاسْتِطَاعَة.

وَالجِهَاد لَيسَ منَ الأُمورِ الفَردِيَّة، كُلٌّ يُجاهِد مُنفَردًا، بلْ يُشتَرَط لِلجهَاد الجَماعَة، ويُشْترط لَه السَّمع والطَّاعَة لِولي الأمْرِ، واجْتمَاع الكَلمَة تَحتَ قِيادة مَوحَّدَة.

فَالجهَاد إذًا لا يقُوم إلا بِجماعَة وبِإمَامَة، وَقيادَة مُسلِمَة، وَليسَ الجِهادُ فَوضى، كلُّ يَحمِل السِّلاحَ وَيقتُل وَيضرِبُ، فَليسَ هَذا مِن الجِهَاد، وَلمْ يَأمرْ بِه الإسْلاَم، لأَنَّ هذَا مِن الفَوضَى التِي تَضرُّ الإسْلامَ والمُسلِمِين.

وأمَّا أهْلُ النِّفاقِ فَيجَاهِدون بِاللِّسانِ؛ لأنَّهُم يُظهِرون الإسْلامَ، وَيَظهَر مِنهُم كَلامٌ سَيئٌ وَتَفوح مِنهُم رَوائِح الكُفرِ، فَهؤلاءِ يُجاهِدون بِاللِّسَان، وَذلكَ بالرَّدِّ عَليهِم وإبطَالِ شُبهَاتهِم، وَتتبّع مَقَالاتِهم وَمؤلَّفَاتهم والرَّد عَليهِم لئلا تروج عِند النَّاس، فَتشِيعُ وَيَظنُّونها حَقًّا؛ لأنَّهُم قَد يُعطون فَصاحَة وَبلاغَة، فَيغُرون النَّاس بِأسالِيبِهم وفَصاحَتهِم وَيلبِسُون الحَقَّ بِالبَاطل، ولا يقُومُ بِهذا إلا أهْلُ العِلمِ، فَهمُ الذينَ يَردُّون عَلى


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (49).