×
شرح كتاب العبودية

وَكَذَلِكَ إِذا آنَ أَوَان البرد دَفعه باللباس، وَكَذَلِكَ كل مَطْلُوب يدْفع بِهِ مَكْرُوه. كَمَا قَالُوا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا، وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا، وَتُقًى نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهَ» ([1]). وَفِي الحَدِيث: «إِنَّ الدُّعَاءَ وَالبَلاَءَ لَيَلْتَقِيَانِ فَيَعْتَلِجَانِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» ([2])، فَهَذَا حَال المُؤمنِينَ بِاللَّه وَرَسُوله العَابدِين للهِ

****

 نُدافِعُ الكُفرَ وَالشِّركَ وَالنِّفَاق وَإنْ كَان ذَلكَ مُقَدَّرًا وَلا نَستَسلِم لَهُ، كَما أَننَا نُدافِع الفَقرَ وَالجُوعَ والظَّمأ بِالأكْل والشُّربِ، وَلا نَحتجُّ بِالقدرِ لِنجلِسَ وَنستَسلِم.

فَلِمَاذا لاَ يَحتجُّ هَؤلاَء بِالقَدر عَلى تَركِ الطَّعام والشَّراب؟ فهُمْ بِفطَرِهم يَأكُلونَ وَيشرَبُون وَيطلُبُون الرِّزقَ، وَلا يَقولُون: هَذا مُقدَّرٌ، فَلماذَا يَحتَجُّون بِالقَدر فِي نَاحِية، ويَترُكونَه فِي نَاحيَة أخْرَى؟ فَالقدَر إِذن لَيسَ حُجَّة لَنا فِي تَركِ مُدافَعة الشُّرورِ، فَكما نُدافِع الجُوع والعَطشَ، نُدافِع الكُفَّار وَالمُنافِقين والمُشركِين والعُصَاة.

المِثالُ الثَّاني: قَال: «وَكذَلكَ إِذا آنَ أَوانَ البَردِ دَفعَهُ باللِّباسِ»، فالإنْسانُ يَلبسُ المَلابسَ الثَّقيلَة والصُّوفيَّة لأَجل أنْ يتَّقِي البَردَ، فَلماذَا لاَ يَقول: إِن البَرد قَضاءٌ وَقدرٌ ويَترُك اللِّباس والمُدفِّئَات؟ لا أحَد يَقولُ هَذا وَهوَ عَاقلٌ، فَدلَّ عَلى أنَّ القَدرَ لَيسَ حُجةً،


الشرح

([1])  أخرجه: ابن ماجه رقم (3437)، والحاكم رقم (7431).

([2])  أخرجه: البزار رقم (8149)، والحاكم رقم (1813)، والطبراني في «الأوسط» رقم (2490).