×
شرح كتاب العبودية

فَإِن التَّوَكُّل والاِسْتِعَانَة هِي من عبَادَة الله؛ لَكِن خصت بِالذكر ليقصدها المتعبد بخصوصها؛ فَإِنَّهَا هِيَ العون على سَائِر أَنْوَاع العِبَادَة إِذْ هُوَ سُبْحَانَهُ لاَ يُعبد إِلاَّ بمعونته.

إِذا تبين هَذَا فكمال المَخْلُوق فِي تَحْقِيق عبودِيَّته لله، وَكلما ازْدَادَ العَبْد تَحْقِيقًا للعبودية ازْدَادَ كَمَاله وعلت دَرَجَته، وَمن تَوهَّم أَن المَخْلُوق يخرج من العُبُودِيَّة بِوَجْه من الوُجُوه، أَو أَن الخُرُوج عَنْهَا أكْمَل

****

 قَولُه: «لَكنْ خُصَّت بِالذِّكرِ لِيَقصِدها المُتعَبِّد بِخُصوصِها»، أي: لِيَهتَمَّ بِها بِخُصوصِها، أمَّا لَو لَم تُعْطَف فَإِنَّه قَد لاَ يَهتَمُّ بِها.

قَولُه: «فَإنَّها هِي العَونُ عَلى سَائرِ أَنواعِ العِبَادة؛ إِذ هُو سُبحَانه لاَ يُعبَد إِلا بِمعُونَتهِ»، هَذا مِن وُجوهِ عَطفِ الاسْتعَانَة عَلى العِبادَة؛ لأنَّ الاسْتِعَانة طَلبُ العَونِ، وَلا يَستطِيعُ الإنْسَان أَن يَعبُد اللهَ إِلا إِذا أَعَانهُ اللهُ، فإنَّه لاَ حَولَ وَلا قُوةَ إِلاَّ بِالله، وهَذَا يَدُل عَلَى حَاجَة العَبدِ إِليهَا فِي كُلِّ عِبَاداته؛ وَلِذلكَ عَطَف الاسْتعَانَة عَلى العِبَادة.

قَولُه: «وُكلَّما ازْدَاد العَبدُ تَحقِيقًا لِلعُبودِيَّة ازْدَاد كَمالُه وَعَلت دَرجَتُه»، هَذا فِيه رَدٌّ عَلى الصُّوفِيَّة الذِين يَقُولون: إِنَّ المَخلُوق إِذَا وَصلَ إِلى المَعرِفة وَإلَى مَرتَبة المُشاهَدة، لَم يَعُد بِحَاجةٍ إِلى العِبَادة؛ لأَنَّه كَمُل.

ونقُول: إِنَّ العَبد بِحَاجةٍ إِلى العِبادَة دَائمًا، وَلا يَستَغنِي عَن العِبَادة أَبدًا، وَلا يَكمُلَ إِلا بِالعِبادة، فلَيْس هُناكَ حَالٌ لاَ يَحتَاج فِيها إِلى العِبَادة.


الشرح