وَقَالَ تَعَالَى لبنى إِسْرَائِيل: ﴿يَٰعِبَادِيَ
ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّٰيَ فَٱعۡبُدُونِ﴾ [العنكبوت: 56]،
وَقَال: ﴿وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ﴾ [البقرة: 41]،
وَقَالَ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ
رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 21]،
****
وقَولُه
تَعَالى: ﴿يَٰعِبَادِيَ
ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّٰيَ فَٱعۡبُدُونِ﴾
[العنكبوت: 56]: فَإِذا مُنِعْتَ مِن عِبادَة اللهِ فِي أرْضٍ؛ فَهُناك أَرضٌ
أُخرَى تَخرُج إِليهَا وَتعبُد اللهَ عز وجل فِيها، قَال تَعَالى: ﴿وَمَن
يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا
وَسَعَةٗۚ﴾ [النساء: 100].
وَقولُه
تعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ
لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾
[البقرة: 21]، هَذا أَوَّل أَمر فِي المُصحَف، وَهُو أَمر لِجَميعِ النَّاس بِقولِه:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ
رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ﴾،
وَفيهِ الاسْتدْلاَل بِتوْحِيد الرُّبوبِيَّة عَلى تَوحِيد الأُلوهِيَّة.
فَبعد
أَن أَمَر بِتوحِيد الأُلوهِيَّة؛ اسْتَدل عَليه بِتوحِيد الرُّبوبِيَّة؛ لأَنَّهم
يَعترِفُون بِتوحِيد الرُّبوبِيَّة، وبِأَنَّ الله هو الذي خَلقَهُم، وخَلقَ مَن
قَبلَهُم، وَجعلَ لَهُم الأَرضَ فِراشًا وَالسَّماء بِناءً، وأَنزَل مِن السَّماء
مَاء فَأخرَج بِه مِن الثَّمرَات رزْقًا لَهم.
فَجَميع
التَّدابِير؛ الرِّزقُ والحَياةُ والمَوت وَالخَلقُ بِيدِ اللهِ عز وجل، وَفي
ذَلكَ يَبدُو تَناقُضُهم، إِذا كَان لاَ يَخْلُق وَلا يَرزُقُ وَلا يُحيِي وَلا
يُمِيت وَلا يُدبِّر إِلا الله؛ فَكيفَ يُعْبَدُ غَيرُه مِمَّن لاَ يَملكُ
لِنفْسِه نَفعًا وَلا ضَرًّا وَلا مَوتًا وَلا حَياةً ولاَ نُشورًا؟!
قَال
ابنُ كَثير رحمه الله: «الخَالِق لِهَذه الأَشْيَاء هُو المُستَحِق
للعِبَادَة، وَلكِن الشَّيطَان وَدُعاة الضَّلاَل يُزيِّنُون الشِّرك لِلنَّاس،
وَيحَسِّنُون الشِّركَ