×
شرح كتاب العبودية

وَفِيهِ أَيْضًا: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيذْهَبَ فَيَحْتَطِبَ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» ([1])، وَقَالَ: «مَا أَتَاكَ مِنْ هَذَا المَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ سَائِلٍ وَلاَ مُشْرِفٍ، فَخُذْهُ، وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» ([2])؛ فَكُرِهَ أَخْذُهُ مَعَ سُؤَالِ اللِّسَانِ، وَاسْتِشْرَافِ الْقلْبِ، وَقَالَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ يَسْتَغْنِ، يُغْنِهِ اللهُ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ، يُعِفَّهُ اللهُ؛ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ، يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» ([3]).

****

  قال صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَذْهَبَ، فَيَحْتَطِبَ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، أَعْطَوْهُ، أَوْ مَنَعُوهُ»، وَهَذَا إِرْشَادٌ منه صلى الله عليه وسلم لِطَلَبِ الرِّزْقِ والاحتراف، إذا كان يَقْدِرُ على الاحْتِرَافِ وَطَلَبِ الرِّزْقِ؛ فلا يسأل النَّاس ولو كان مُحْتَاجًا؛ لأنَّه غَنِيٌّ بالقوَّة؛ فيأخذ حَبْلَهُ وَفَأْسَهُ، وَيَذْهَبُ إلى الجَبَلِ، ويأتي بالحَطَبِ وَيَبِيعُ، وَيَكُفُّ اللهُ بِذَلِكَ وَجْهَهُ عن النَّاس.

وهو ما أَرْشَدَ إليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد أَرْشَدَهُ إلى العمل وَطَلَبِ الرِّزق، ولا يَنْظُرُ إلى أَيْدِي النَّاس وما يُعْطُونَهُ؛ فالَّذي يَحْتَرِفُ أيَّ حِرْفَةٍ ولو كانت دَنِيئَةً يَعِيشُ بها أَحْسَنَ مِنَ الَّذي يَسْأَلُ النَّاسَ؛ لأنَّ العَمَلَ وَطَلَبَ الرِّزْقِ شَرَفٌ وَرِفْعَةٌ وَعِزَّةٌ، وَصَاحِبُهُ مَأْجُورٌ.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1471)

([2])  أخرجه: البخاري رقم (1470).

([3])  أخرجه: البخاري رقم (1427).