وَأَوْصَى خَوَاصَّ أَصْحَابِهِ أَلاَّ يَسْأَلُوا
النَّاسَ شَيْئًا، وَفِي المُسْنَدِ: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَسْقُطُ
السَّوْطُ مِنْ يَدِهِ؛ فَلاَ يَقُولُ لأَحَدٍ: نَاوِلْنِي إِيَّاهُ. وَيَقُولُ:
إِنَّ خَلِيلِي أَمَرَنِي أَلاَّ أَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا» ([1]). وَفِي «صَحِيحِ
مُسْلِمٍ» وَغَيْرِهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه
وسلم بَايَعَهُ فِي طَائِفَةٍ، وَأَسَرَّ إِلَيْهِم كَلِمَةً خُفْيَةً: «أَن لاَ
يسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا، فَكَانَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ
السَّوْطُ مِنْ يَدِ أَحَدِهِمْ، وَلاَ يَقُولُ لأَحَدٍ نَاوِلْنِي إِيَّاهُ» ([2]).
قَالَ الشَّيْخُ:
وَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ عَلَى الأَْمْرِ بِمَسْأَلَةِ الْخَالِقِ، وَالنَّهْيِ
عَنْ مَسْأَلَةِ الْمَخْلُوقِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
****
وقوله: «وَأَوْصَى خَوَاصَّ أَصْحَابِهِ أَنْ لا يَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا»:
أَوْصَى صلى الله عليه وسلم الصَّحَابَةَ عِنْدَ البَيْعَةِ، أنَّهم لا
يَسْأَلُونَ النَّاسَ شَيْئًا مهما كان؛ لأنَّ السُّؤَالَ فِيهِ ذِلَّةٌ
للمَخْلُوقِ، حتَّى في غَيْرِ المال، فَكَانَ أَحَدُهُم يَسْقُطُ سَوْطُهُ في
الأرض، فلا يَقُولُ لأَحَدٍ: نَاوِلْنِي إِيَّاهُ. بَلْ يَنْزِلُ هُوَ
وَيَأْخُذُهُ؛ اسْتِغْنَاءً عن النَّاس.
فَفِي
هذا رِفْعَةٌ وَعِزَّةٌ وَشَرَفٌ، وَأَمَّا إِذَا سَأَلَ النَّاسَ وَطَلَبَ مِنْهُمْ
وَلَوْ رَفْعَ سَوْطِهِ إِلَيْهِ، فإنَّه يَذِلُّ لهم، والإِنْسَانُ إذ عَوَّدَ
نَفْسَهُ على الشَّيْءِ وَلَوْ كان قليلاً، فإنَّه يتجرَّأ على الكثير؛ فلا
يَفْتَحُ البَابَ عَلَى نَفْسِهِ، مهما أمكنه الاستغناء عن النَّاس؛ فإنَّه يستغني
عنهم، مهما أمكنه ذلك.
فَلَوْ سُئِلَ النَّاسُ التُّرَابَ لأَوْشَكُوا **** إِذَا قِيلَ هَاتُوا أَنْ يَمَلُّوا فَيَمْنَعُوا
([1]) أخرجه: أحمد رقم (65).