قوله: «وقد دلَّت النُّصوصُ على الأمر بمسألة الخَالِقِ، والنَّهي عن مسألة
المخلوق، في غَيْرِ مَوْضِعٍ»؛ أَيْ: دلَّت النُّصوصُ الكَثِيرَةُ على وُجُوبِ
مَسْأَلَةِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ، والاسْتِغْنَاءِ عن سُؤَالِ المَخْلُوقِ؛
فَتَسْأَلَ اللهَ كُلَّ ما تحتاج إليه؛ لأنَّ هذا مِنَ العبوديَّة والاستغاثة والاستعانة
بالله عز وجل.
كُلُّ
هذا مِنْ أَنْوَاعِ العبوديَّة، وَمِنْ كَمَالِ العبوديَّة أن لا تَسْأَلَ
النَّاسَ شَيْئًا، وإنَّما تَحْصِرُ سُؤَالَكَ بالله سبحانه وتعالى وهو الَّذي
يُيَسِّرُ لك ما تَسْأَلُهُ.
وَأَمَّا
المَخْلُوقُ فَهُوَ وَإِنْ سَأَلْتَهُ وَجَازَ لَكَ ذَلِكَ، فَإِنَّ سُؤَالَكَ له
فيه ذِلَّةٌ للمَخْلُوقِ، كما أَنَّ المَخْلُوقَ يُكْرَهُ أَنْ تَسْأَلَهُ، أمَّا
الله جل وعلا فإنَّه يَفْرَحُ إذا سَأَلْتَهُ. ولهذا يَقُولُ الشَّاعِرُ:
لاتَسْأَلَنَّ بَنِي آَدَمَ حَاجَةً **** وَسَلِ الَّذِي
أَبْوَابُهُ لا تُحْجَبُ
اللهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ **** وَبُنَيُّ
آَدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
لِعَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ وكان صغيرًا: «إِذَا
سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ»؛ فهذا منه
تَرْبِيَةٌ لهذا الشَّابِّ على أن يعلِّق قَلْبَهُ بالله عز وجل، ولا يَنْظُرَ إلى
ما بِأَيْدِي النَّاس.
وَسَبَقَ
حَدِيثُ: «لأن يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ
حَبْلَهُ فَيَذْهَبَ فَيَحْتَطِبَ، خَيْرٌ له من أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ،
أَعْطَوْهُ، أَوْ مَنَعُوهُ»؛ فَمَهْمَا أمكن أنَّ الإنسان يَسْتَغْنِي عن
سؤال النَّاس، فإنَّه لا يَفْعَلُ ذلك، وهو أَعَزُّ له، وَكَوْنُهُ يَحْتَرِفُ
وَيَحْمِلُ على رَأْسِهِ بالأُجْرَةِ، خَيْرٌ له من أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ.